[شرح حديث: (الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل القعود في المسجد.
حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث أو يقم: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه)].
قوله: [باب في فضل القعود في المسجد].
يعني: الجلوس فيه لذكر الله عز وجل وقراءة القرآن، فإن فيه فضلاً عظيم؛ لأنه في صلاة ما دام منتظراً للصلاة، وكذلك بعد صلاته إذا جلس فالملائكة تصلي عليه وتستغفر له ما لم يؤذِ أو يحدث، تقول: اللهم ارحمه اللهم اغفر له، فهذا يدل على فضل الجلوس في المساجد، حيث أن الجلوس فيها عبادة؛ لأنها خير البقاع كما جاء في صحيح مسلم: (أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأبغضها أسواقها).
فأحسن مكان في البلد المسجد؛ لأنه مكان العبادة ومكان ذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، بخلاف الأسواق فإنها محل الصخب ومحل الأخذ والرد والكلام وعدم التمسك والتقيد بشرع الله.
ولهذا فإن المساجد لا يشتغل فيها بأمور الدنيا، فلا ينشد فيها ضالة ولا يباع فيها ويشترى وإنما هي لذكر الله عز وجل وعبادته، فإذا جلس الإنسان في المسجد فهو على خير؛ لأنه في مكان عبادة وليس مكان انشغال بأمور الدنيا، سواء كان جلوسه قبل الصلاة أو بعد الصلاة، فهو في صلاة ما انتظر الصلاة.
قوله: (الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه).
أي: تدعو له وتقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه؛ لأن صلاة الملائكة للمؤمنين هي الدعاء، والله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب:٥٦].
فصلاة الله عز وجل على نبيّه هي ذكره في الملأ الأعلى، وصلاة الملائكة هي الدعاء له، وصلاة المسلمين هي أن يقولوا: اللهم صلّ وسلم على رسول الله، أي: يدعون له بأن يصلي الله ويسلم عليه، فصلى الله عليه وسلم.
فكذلك الملائكة يدعون ويصلون على الذين يجلسون في المساجد، سواءً كانوا ينتظرون الصلاة، أو كانوا قد فرغوا من الصلاة وجلسوا يذكرون الله، أو يقرءون القرآن، ما لم يحدث أحدهم أو يقم.
من المعلوم أن الصلاة في اللغة: الدعاء، وسميت الصلاة المفروضة بهذا الاسم؛ لأن أكثر أعمالها وهيئاتها فيها دعاء، فالإنسان وهو قائم في الصلاة، فإنه يقول دعاء الاستفتاح، وكذا عند قراءة الفاتحة هي دعاء، وكذلك قراءة القرآن، وكذلك أيضاً عند الركوع والقيام منه ثناء ودعاء، وفي السجود وبين السجدتين وفي التشهد، فكل ذلك دعاء، فقيل للصلاة: دعاء.
مع أن الصلاة المفروضة ليست مقصورة على الدعاء، بل هي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، والأقوال التي تكون في الصلاة هي دعاء.
قوله: (ما لم يحدث).
يعني: مادام على طهارة ولم ينتقض وضوءه فإنه يحصل له هذا الفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما لم يحدث) فهو إذا كان على طهارة فهو يذكر الله أو يصلي أو يقرأ القرآن، فهو على خير بهذا الدعاء من الملائكة.
قوله: (أو يقم) يعني: يترك مصلاه.
أما الكلام في المسجد عن شئون الدنيا، كأن يتحدث الإنسان في المسجد عن العقار، فهذا يحصل إثماً.