[شرح حديث (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاضطجاع بعدها.
حدثنا مسدد وأبو كامل وعبيد الله بن عمر بن ميسرة قالوا: حدثنا عبد الواحد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه).
فقال له مروان بن الحكم: أما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه؟ قال عبيد الله في حديثه قال: لا، قال: فبلغ ذلك ابن عمر رضي الله عنهما فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه.
قال: فقيل لـ ابن عمر: هل تنكر شيئاً مما يقول؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا، قال: فبلغ ذلك أبا هريرة قال: فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [باب الاضطجاع بعدها] أي: بعد ركعتي الفجر.
والاضطجاع بعد ركعتي الفجر على الشق الأيمن جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله، وأنه يضطجع على شقه الأيمن بعد أن يصلي ركعتين، وقد قيل في حكمة ذلك: إن المقصود به الفصل بين النفل والفرض، وقيل: إن المقصود به كونه يتهجد في الليل، فيكون في اضطجاعه شيء من الراحة بعد أن يصلي ركعتين قبل أن يصلي الفجر.
وقد جاء في ذلك حديث عن أبي هريرة بدأ به المصنف، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه)، وهذا يدل على ما دل عليه فعله صلى الله عليه وسلم، لكن بعض أهل العلم قال: إن هذا يكون في حق من يصلي في البيت، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، وكان ابن عمر إذا رأى أحداً يفعل ذلك في المسجد يحصبه، أي: يرميه بالحصباء، وذلك أن الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو في البيت، قالوا: ومن الحكمة من كونه كان يتهجد في الليل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وجاء عنه أنه كان يترك ذلك في بعض الأحيان، كما جاء في بعض الأحاديث عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فبعض أهل العلم قال: إنه مشروع ومستحب، لاسيما إذا كان الفعل ممن يصلي بالليل، ويقوم بالليل، فإنه يفعل كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون ذلك في البيت إذا كان صلى الركعتين في البيت كما كان صلى الله عليه وسلم يصليهما، وكان يضطجع هذا الاضطجاع في كثير من الأحيان، وفي بعض الأحيان كان لا يضطجع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
فأورد أبو داود رحمه الله جملة من الأحاديث، أولها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: [(إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه)، فقال له مروان بن الحكم: [أما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه؟].
وكأن هذا السؤال فيه الإشارة إلى الفصل، وأن المقصود بالركعتين الفصل بين النافلة والفريضة، وأنه إذا صلى الركعتين في البيت ومشى فإن هذا فصل، قال: ألا يجزيه ذلك؟ فقال: أبو هريرة: لا يجزيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، يعني: يصلي ركعتين في بيته ويضطجع ثم يمشي.
فالذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الاضطجاع، وحديث أبي هريرة بعض أهل العلم تكلم فيه من جهة عبد الواحد بن زياد، ومن جهة أن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة، لكن عبد الواحد بن زياد يحتمل تفرده ولا يضعف الحديث به، ولكن الحديث يحمل على من صلى في البيت النافلة، فإنه يضطجع، وأما من يأتي إلى المسجد ويصلي في المسجد ثم يضطجع فليس هناك شيء يدل على فعله، وهديه صلى الله عليه وسلم الذي كان يفعله هو أنه كان يفعل ذلك في البيت.
قوله: [فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه].
يعني بذلك هذا الحديث الذي حدث به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: [أكثر أبو هريرة على نفسه] يعني: أكثر من رواية الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما قال هذا قيل له: [أتنكر شيئاً مما قال؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا].
يعني: اجترأ وكان يروي الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبنا فكثر حديثه وقل حديثنا بالنسبة لحديثه، ولما بلغ ذلك أبا هريرة رضي الله عنه قال: ما ذنبي إذا كنت قد حفظت وهم قد نسوا.
وأبو هريرة رضي الله عنه -كما هو معلوم- هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، مع أنه لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا فترة وجيزة، وكان إسلامه عام خبير، في السنة السابعة، ولكن هذه الكثرة التي قد حصلت لها أسباب: أولاً: كونه كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه، وكان غيره من الصحابة يذهبون إلى أعمالهم، ويذهبون إلى تجارتهم وإلى بساتينهم، فيحضرون ويغيبون عن مجلسه صلى الله عليه وسلم.
وأما أبو هريرة رضي الله عنه فقد كان ملازماً لمجلسه، بل يصحبه في ذهابه وإيابه، وأكله وشربه، وكان فقيراً، وكان يتبعه من أجل الاستفادة منه، ومن أجل أن يحصل القوت، وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم جعلته يتحمل الشيء الكثير، ولو كانت المدة وجيزة بالنسبة لغيره ممن كان أسلم قديماً ولم ينقل عنه الحديث مثلما نقل عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، فكان ذلك من أسباب حفظه وكونه يحفظ، مع أنه ما كان يكتب، ولكن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم له كانت من أسباب حفظه الحديث، وهذا الذي كان يحصله لملازمته النبي صلى الله عليه وسلم، وكان حافظاً رضي الله عنه وأرضاه.
الأمر الثالث: أنه كان في المدينة، بخلاف غيره من الصحابة، فإن كثيراً منهم تفرقوا في الآفاق والبلاد، ومن المعلوم أن المدينة يرد إليها الناس، ويصدرون عنها، ويأتون إليها من كل جهة، ومن المعلوم أن من كان في المدينة من الصحابة كان من يأتي من خارجها يحرص على اللقاء به، وأخذ ما عنده، وإذا كان صحابياً وعنده أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث بها أبا هريرة، فيأخذون منه، ويعطونه، فكان ذلك من أسباب كثرة حديثه رضي الله عنه وأرضاه.