قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها.
حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوم امرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه غير رمضان، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه)].
أورد أبو داود باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها، يعني: ليس لها أن تصوم التطوع بغير إذن زوجها، وأما بالنسبة للفرض والشيء الواجب فإن عليها أن تخبره وأن تستأذنه، وإذا طلب منها أن تؤخر فلها أن تؤخر، وقد مر أن عائشة رضي الله عنها كان يكون عليها الصوم من رمضان فلا تتمكن من قضائه إلا في شعبان، وذلك لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والترجمة معقودة في صيام المرأة بغير إذن زوجها ويعان أنه ليس لها ذلك، وهذا باتفاق العلماء، فليس لها أن تتطوع إلا بإذن زوجها، وأما إذا كان فرضاً فلها أن تؤخر، ولكن القضاء متحتم عليها ولازم لها، كما مر في فعل عائشة رضي الله عنها، وأنها كانت تقضي قضاءها في شهر شعبان بعد أن يكون مضى عليها قرب انتهاء السنة.
وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه).
قوله: [(غير رمضان)].
يعني: رمضان هنا لا يحتاج إلى استئذان، وكذلك أيضاً الفرض لابد أن تصومه ولكن عليها أن تستأذنه، فذكر (غير رمضان) هذه فيها كلام؛ لأن رمضان كل الناس يصومونه، يعني: الزوج والناس كلهم لا يترك أحد منهم الصيام، قال تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة:١٨٥] فمن كان حاضراً وهو مستطيع فإن عليه الصيام، ولا يعذر في الفطر، إلا من كان معذوراً بعذر شرعي جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كالمريض والمسافر وغيره.
قوله: [(ولا تأذن في بيت زوجها وزوجها شاهد إلا بإذنه)] يعني: لا تأذن بالدخول في بيت زوجها إلا بإذنه، فتستأذنه في دخول من يدخل عليها، وإذا كان هناك إذن عام ومتواطأ ومتفق عليه فلها أن تنفذ ذلك، بحيث لا يلزم أنها تستأذن في كل شيء وفي كل حالة وفي كل مرة، وإنما يكفي أن يكون هناك اتفاق بينها وبينه على الإذن وتعيين من يؤذن له.
وحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه هذا من صحيفة همام بن منبه والمشتملة على مقدار مائة وخمسين حديثاً كلها بإسناد واحد، ويفصل بين كل حديث وحديث جملة:(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم).
والإمام مسلم رحمة الله عليه له طريقة في سرد أحاديث هذه الصحيفة، ولغيره من الأئمة طرق أخرى ليست مثل طريقة مسلم رحمه الله، فـ أبو داود والبخاري وغيرهما يروون أي حديث من الصحيفة ويأتون بالإسناد الذي في أولها، ثم يأتون بالحديث الذي يريده بعد الإسناد، وكأن الحديث بعد الإسناد، أما مسلم رحمه الله فإنه إذا ساق الإسناد يقول: عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، وهذا فيه إشارة إلى الأحاديث المتقدمة التي هي تابعة للإسناد، والتي تلي الإسناد، وهذه دقة وعناية، أما أبو داود فكما رأينا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، والبخاري كذلك يأتي بمثل هذه الطريقة، وكذلك النسائي وغيره، أما مسلم فعنده دقة وعناية في المحافظة على الألفاظ، وتبيين من يكون له اللفظ، وكيفية لفظه، وما إلى ذلك، وهذه ميزة لـ مسلم رحمه الله لا توجد عند غيره، ولهذا قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب: حصل للإمام مسلم في صحيحه حظ عظيم مفرط ما حصل لأحد غيره في المحافظة على الألفاظ وسياقها، وكذلك الأسانيد وبيان من هو لفظه.