[شرح حديث (لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يستحب من حسن الظن بالله عند الموت.
حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول قبل موته بثلاث، قال:(لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب ما يستحب من حسن الظن بالله عند الموت، وهذه الترجمة يرادُ بها أن الإنسان عند موته يُحسن الظن بالله، فيظن أنه تعالى يرحمه ويتجاوز عنه، فيرجو رحمته ويأمُل مغفرته، فلا ييئس ولا يقنط من رحمة الله، بل عليه أن يحسن الظن بالله، وقد جاء في الحديث:(إن الله عند ظن عبده به)، فليؤمل وليرج منه خيراً، فهذا هو المقصود من الترجمة.
ومن أهل العلم من قال: على الإنسان أن يكون خائفاً وراجياً دائماً وأبداً، ولكنه عند الموت يغلب جانب الرجاء، وقبل ذلك يغلب جانب الخوف؛ لأنه إذا غلب جانب الخوف عمل، ولكنه عند الموت لا يغلب جانب الخوف؛ حتى لا ييئس ويقنط من رحمة الله، وإنما يغلب جانب الرجاء، قالوا: والخوف والرجاء للإنسان كالجناحين للطائر، فلا يستقيم طيران الطائر إلا بسلامتهما، وإذا اختل أحد الجناحين اختل الطيران، فشأن المسلم مع الخوف والرجاء كشأن الطائر الذي له جناحان، إلا أنه عند الموت يغلِّب جانب الرجاء؛ حتى لا ييئس من رحمة الله، ويُحسن الظن بالله عز وجل، فإن الله تعالى عند ظن عبده به، كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله قال:(سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث قال).
أي: أنه قال هذا في مرض موته، (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله)، وهذا فيه دلالة على أن الإنسان يحسن الظن بالله تعالى عند موته، فيرجو رحمة الله، ويرجو أن الله تعالى يتجاوز عنه، وأنه يغفر له، ففضله واسع، ورحمته وسعت كل شيءٍ، ولا يغلّب جانب الخوف؛ حتى لا يؤدي به ذلك إلى القنوط واليأس من رحمة الله.
وقال الخطابي: إن المقصود بذلك أنه يُحسن العمل الذي يكون سبباً في هذا الذي يرجوه ويؤمله، وقد ذكر النووي أن الخطابي شذّ وانفرد بذلك، وأن القول الصحيح هو أن على الإنسان عند موته أن يرجو رحمة الله، وأنه يُحسن الظن به، وليس المقصود من ذلك أن الإنسان يعمل في حال الصحة والسعة من أجل أن يكون ذلك سبباً لرجاء الله وحسن الظن به.
نعم هو مطلوب من الإنسان أن يكون دائماً وأبداً عاملاً للأعمال الصالحة، لكن الحديث جاء في أن الإنسان يُحسن الظن بالله عز وجل.
فالحاصل: أن النووي قال عن هذا القول: إنه شذوذ، أو إن الخطابي شذ فقال هذه المقالة، مع أن هذا الذي قاله مطلوب، لكن ليس هو المقصود من الحديث.