[شرح حديث أن ملك الروم أهدى إلى النبي مستقة من سندس فلبسها]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن ملك الروم أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستقة من سندس فلبسها، فكأني أنظر إلى يديه تذبذبان، ثم بعث بها إلى جعفر فلبسها ثم جاءه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لم أعطكها لتلبسها.
قال: فما أصنع بها؟ قال: أرسل بها إلى أخيك النجاشي)].
قوله: [(أن ملك الروم أهدى إلى النبي مستقة)].
وهو لباس من الحرير.
قوله: (فلبسها).
أي: فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا محمول على أنه كان قبل أن يحرم لبس الحرير، وبعد ذلك حرم فأعطاها جعفراً ولبسها، فقال: (إني ما أعطيتكها لتلبسها وإنما لترسلها إلى أخيك النجاشي) أي: ليستفيد منها لا ليلبسها؛ لأن المحرم لا يجوز لبسه، وإنما يجوز التصرف فيه ببيعه أو استعماله ممن يمكن لهم استعماله كالنساء، وإذا أعطي الرجل فهو يستفيد منه بأن يعطيه نسائه، أو يبيعه ويتصرف بقيمته، أو يهديه إلى أحد من أجل أن يستفيد من قيمته أو يعطيه لنسائه.
وعلى هذا فالذي جاء في الحديث محمول على أنه كان قبل تحريم لبس الحرير، وقد جاءت أحاديث تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس الحرير، ولكنه تركه بعد ذلك وحرم لبسه على الرجال، وقد جاء في الصحيحين وفي غيرهما أحاديث بهذا المعنى.
وهذا الحديث في إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف؛ ولكن المعنى الذي جاء فيه من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد لبس الحرير وأعطى غيره من أجل أن يستفيد، قد جاء في أحاديث، والإسناد فيه هذا الرجل الذي هو ضعيف، وهو علي بن زيد بن جدعان.
قوله: [(مستقة من سندس)].
فراء: طوال الأكمام، أي: أن فيها سندس يعني: حرير في أطرافه، وأما الفرو فليس من الحرير، ولكنها موشاة بالحرير أو موضوع فيها شيء كثير من الحرير، وأما إذا كان في حدود أربع أصابع فهذا ثبتت به السنة بعد التحريم وأنه، فيكون الذي من سندس هو الذي أضيف إليها لا أن أصلها هي من سندس.
[مكفوفة].
يعني: حواشيها من حرير.
[(فلبسها، كأني أنظر إلى يديه تذبذبان)].
يعني: أنها طويلة كأنها تغطي اليدين.
[(ثم بعث بها إلى جعفر فلبسها ثم جاءه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لم أعطكها لتلبسها.
قال: فما أصنع بها؟ قال: أرسل بها إلى أخيك النجاشي)].
وخص النجاشي من أجل أنه كان عنده، وكان قد أحسن إلى جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وإلى الذين كانوا معه من المهاجرين إلى الحبشة، فهذا هو وجه إرشاده إلى أن يرسلها إلى النجاشي ليستفيد منها.
وقوله: [(إلى أخيك)].
أي: في الإسلام.
وإرساله إلى النجاشي ليس بلازم أن يلبسها النجاشي، وإنما ليستفيد منها.