[شرح حديث (من حلف فقال في حلفه واللات فليقل لا إله إلا الله)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الحلف بالأنداد.
حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف فقال في حلفه: واللات، فليقل لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق بشيء)].
قوله:[باب الحلف بالأنداد] في بعض النسخ: [الحلف بغير الله]، والحلف بغير الله محرم مطلقاً سواء كان أنداد أو بغير أنداد، ولكن لعله ذكر الأنداد لأنه هو الذي جاء في هذا الحديث الذي أورده تحت هذه الترجمة وهو يتعلق بالأنداد والأصنام، وهذا إنما اعتادوه في الجاهلية، حيث إنهم كانوا يحلفون بالأصنام، فيقول الواحد منهم: واللات والعزى، فلما جاء الإسلام وصار الحلف إنما يكون بالله عز وجل، وكانوا قد ألفوا وغلب على ألسنتهم استعمال الحلف باللات، كان بعضهم يقول ذلك؛ لأنه حديث عهد بالإسلام ولسانه قد اعتاد على ذلك، فهو يحلف بها وهو لا يريد ذلك، وما كان حلفه في الإسلام كحلفه في الجاهلية؛ لأنه قبل ذلك كان يعبد الأصنام، ثم صار كافراً بالأصنام بعد أن هداه الله للإسلام، فهو كافر بالأصنام والأنداد، وقبل ذلك كان يعبد الأنداد ويحلف بها، فالرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يعود ألسنتهم على أنه إذا حصل منهم شيء وهم حديثو عهد بالإسلام وألسنتهم قد اعتادت على ذلك فيحصل من الإنسان من غير اختياره، فيعود نفسه أن يأتي بالتوحيد بعد أن يحلف بهذا الشيء الذي كان قد ألفه، لأنه نشأ عليه وعاش عليه، فقال:(من قال في حلفه: واللات، فليقل: لا إله إلا الله) يعني: كما أنه حلف بهذا الشيء الذي قد ألفه فإنه يبادر ويأتي بكلمة لا إله إلا الله التي هي كلمة التوحيد، والتي فيها أن الله عز وجل هو الذي يعبد وهو الذي يعظم وهو المستحق للعبادة، فيكون في ذلك تعويد للألسنة على ترك هذا الأمر الذي حصل منها وقد اعتادته، فإذا حلف بالأصنام فيقول بعد ذلك: لا إله إلا الله، حتى تألف الألسنة ذكر الله عز وجل وكلمة التوحيد، وحتى يحصل نسيان وترك لهذا الأمر الذي ألفوه.
وكذلك أيضاً بالنسبة للقمار والميسر كانوا يستعملون الميسر ولذا قال:(من قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق بشيء) وفي بعض الأحاديث: (فليتصدق) بدون ذكر (بشيء).
وهذا أيضاً كذلك؛ لأنه لما جاء الإسلام ومنع من القمار كان يحصل منهم التداعي له والتنادي له؛ لأنهم كانوا قد ألفوه، وقد كانوا يعملونه في الجاهلية، فمن قال لصاحبه: تعال أقامرك، ليبذل المال في الباطل، فقد أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يبذل المال في الحق، وإلى أن يبذله في صدقة تنفعه، فيكون في ذلك تأديب لهم، وتعويد لهم إذا فكروا في أمر محرم قد اعتادوه وألفوه أن يبادروا إلى أن يتصدقوا بشيء.
وبعض أهل العلم قال: إنه يتصدق بالشيء الذي أراد أن يقامر به، يبذله في الخير بدل أن يبذله في الميسر.
والحاصل: أن هذا فيه إرشاد إلى أن الإنسان يتصدق، ومعلوم أن هذا كان وهم حديثو عهد بالإسلام، فمن أراد أن يقامر أو قال لصاحبه: تعال أقامرك، فعليه أن يتصدق.