[شرح حديث: (اعتموا بهذه الصلاة؛ فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي حدثنا أبي حدثنا حريز عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السكوني أنه سمع معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول: (أبقينا النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة، فأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج، والقائل منا يقول: صلى.
فإنا لكذلك حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له كما قالوا، فقال لهم: اعتموا بهذه الصلاة؛ فإنكم قد فُضَّلتم بها على سائر الأمم، ولم تصلها أمة قبلكم)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال: [(أبقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم)] يعني: انتظرناه لصلاة العشاء.
قوله: [في صلاة العتمة] وهي العشاء، وقد جاء ما يدل على أنه لا يقال للعشاء: العتمة.
وإنما يقال لها: العشاء، كما جاء ذلك في القرآن وكما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونهم يقولونه يدل على الجواز، لكن إطلاق العشاء هو الأولى.
[فأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج].
يعني: حتى ظن الظان أنه ليس بخارج عليهم.
قوله: [والقائل منا يقول: صلى] يعني أنه مر وقت طويل، ولم يكن معهوداً عنه صلى الله عليه وسلم أن يؤخر هذا التأخير.
قوله: [فإنا لكذلك حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له كما قالوا] أن واحداً قال كذا، وواحداً قال كذا.
قوله: [(اعتموا بهذه الصلاة)] يعني: أخروها في العتمة، والعتمة وهي الظلام، أي: مضي شيء من الليل.
قوله: [(فإنكم قد فضلتم على سائر الأمم بهذه الصلاة، ولم تصلها أمة قبلكم)].
يحتمل أن يكون المقصود أنهم فضلوا بصلاة العشاء، وأن تلك الأمم لم تفرض عليهم صلاة العشاء، ويحتمل أن يكون المقصود التأخير إلى هذا الوقت، وقد سبق أن مر في حديث جبريل لما ذكر له الأوقات أنه قال: (هذا وقت الأنبياء من قبلك) وهذا يدلنا على أن الصلوات الخمس فرضت على الأمم السابقة، ولكن كيفيتها الله تعالى أعلم بها.
فهذا الذي جاء في الحديث -وهو أن هذه الأمة فضلت بها- إذا فسر بأنها تعتم بها وتؤخرها فلا تنافي بينه وبين الحديث الذي سبق أن مر، ومعنى هذا أن هذه الصلاة كانت على الأمم السابقة، ولكن فضلت هذه الأمة بها بكونهم يؤخرونها، بخلاف الأمم السابقة، فإنها لم تكن تؤخرها مثل هذا التأخير.