[شرح حديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين في السفر]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجمع بين الصلاتين.
حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل رضي الله عنهما أخبرهم: (أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: باب الجمع بين الصلاتين، وأطلق ذلك، ولم يقل: (في السفر)، وإن كانت التراجم هي تتعلق بالسفر، حيث ترجم تفريع أبواب صلاة السفر، ولكنه أطلق الترجمة في قوله: الجمع بين الصلاتين؛ لأنه ذكر تحت هذه الترجمة الجمع في السفر وغير السفر، فلم يكن مقيداً ذلك بالسفر، وإنما أورد الأحاديث التي فيها الجمع في السفر والحضر.
والجمع بين الصلاتين في السفر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع تقديم وجمع تأخير إذا كان سائراً، فإنه كان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا جد به السير، وأما إذا كان مقيماً وهو مسافر فإن الأولى له أن لا يجمع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان في حجة الوداع في الأبطح وفي منى يقصر ولا يجمع، يصلي كل صلاة في وقتها، ويقصر الرباعية ولا يجمع بينهما، فدل هذا على أن ترك الجمع أولى في حال إقامة المسافر، وكونه مستقراً ونازلاً.
وأما إذا كان سائراً وقد جد به السير فإنه يجمع، وقد كان عليه الصلاة والسلام إذا كان نازلاً إذا زاغت الشمس صلى الظهر والعصر، وإذا كان سائراً قبل أن تزيغ الشمس واصل سير حتى يأتي وقت العصر فينزل فيصلي الظهر والعصر جمعاً، أي: جمع تأخير.
وإذا كان نازلاً في السفر جاز له أن يجمع في حال إقامته وهو مسافر، أي: لم يكن الأمر أو مرتبطاً بأن يكون سائراً وجاداً به السير، ولكنه يجوز له ذلك إذا كان مقيماً، وإن كان الغالب على فعله صلى الله عليه وسلم هو القصر بدون الجمع، إلا أنه جاء عنه ما يدل على الجواز، فيدل على أن ذلك جائز، ولكن تركه أولى؛ لأن المعهود من فعله صلى الله عليه وسلم إنما هو القصر بدون جمع، كما حصل في مكة ومنى، فإنه كان يقصر ولا يجمع صلى الله عليه وسلم، ولكنه ثبت عنه أنه لما كان نازلاً في تبوك جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فدل هذا على جواز الجمع للمسافر في حالة إقامته، وأما إذا كان جاداً به السير فإن له أن يجمع إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير.
وقد أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث تتعلق بالجمع بين الصلاتين في السفر، وأورد بعض الأحاديث عن ابن عباس المتعلقة بالجمع في الحضر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة ثمانياً وسبعاً، أي: الظهر والعصر ثمانياً، والمغرب والعشاء سبعاً، من غير خوف ولا مطر، ولما سئل ابن عباس قال: (أراد أن لا يحرج أمته)، فجاء الجمع في الحضر والسفر.
وأيضاً جاء الجمع في حق المريض، فإن له أن يجمع بين الصلاتين ولكن ليس له أن يقصر.
وأورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء)، وذلك في حال سيره، وأيضاً ذكر أنه لما كان نازلاً في تبوك أخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى بهم الظهر والعصر، يعني: جمع تأخير في وقت العصر، ثم دخل، أي: دخل مكانه الذي هو فيه ومنزله الذي كان فيه في تبوك، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً، فدل هذا على جواز الجمع للمسافر في حال سيره، وأنه يجمع، وإذا كان جد به السير فأولى له أن يجمع؛ لأن هذا أرفق به، وإذا كان نازلاً فالأولى أن لا يجمع، إلا أنه يجوز له الجمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه جمع في تبوك كما جاء في هذا الحديث؛ لأن قوله: (دخل) يعني: دخل منزله، (ثم خرج)، أي: خرج من منزله.