قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (قلت: يا رسول الله! أين تنزل غداً؟ -في حجته - قال: هل ترك لنا عقيل منزلاً؟ ثم قال: نحن نازلون بخيف بني كنانة، حيث قاسمت قريش على الكفر، يعني: المحصب، وذلك أن بني كنانة حالفت قريشاً على بني هاشم ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤوهم).
قال الزهري: والخيف الوادي].
أورد أبو داود حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نزوله بمكة، وجاء في بعض الأحاديث:(أين تنزل بدارك بمكة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وهل ترك لنا عقيل من دور، أو هل ترك لنا عقيل من رباع) أي: دور.
وعقيل هو ابن أبي طالب، وذلك أن أبا طالب ورثه ابناه الكافران وهما طالب وعقيل، وطالب قتل يوم بدر كافراً، فبقي عقيل هو الذي حاز الدار التي كان يسكنها أبو طالب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسكن مع أبي طالب فيها، ثم بعد ذلك حازها عقيل، ولم يكن لـ علي وجعفر شيء؛ لأنهما أسلما، ومن المعلوم كما في الحديث:(لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم) وبعد ذلك أسلم عقيل رضي الله عنه، ولكنه كان قد ورث الدار في حال كفره، وتصرف في تلك الدار، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:(وهل ترك لنا عقيل من دار) أي: أنه حازها وتصرف فيها وباعها.
قوله:(نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريش على الكفر).
خيف بني كنانة هو الأبطح، وفيه تقاسم بنو كنانة مع قريش على محاصرة بني هاشم.
والمقصود أن نزوله عليه الصلاة والسلام في ذلك المكان الذي حصل فيه إظهار الكفر وإعلان الكفر ومعاداة أهله هو من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك إظهار قوة المسلمين كما قاله بعض أهل العلم، ولهذا قال بعضهم: إنه يستحب نزول المحصب؛ وذلك لكون النبي صلى الله عليه وسلم نزله.
قوله: قال الزهري: والخيف الوادي.
يعني: الخيف هو الوادي، وهو مكان منبسط في الأبطح، أما مسجد الخيف فهو في منى، وأما الخيف المذكور هنا فهو بين مكة ومنى، وهو خيف بني كنانة وهو الأبطح.