قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم)].
قوله: [(زينوا القرآن بأصواتكم)] ذكر الخطابي أن الحديث قد يكون مقلوباً، وقال: إنه جاء في رواية: (زينوا أصواتكم بالقرآن) ويبدو -والله أعلم- أنه ليس هناك قلب، وأن المقصود بالقرآن القراءة، يعني: زينوا القراءة بأصواتكم وليس المقصود به القرآن؛ لأن لفظ القرآن يطلق ويراد به معنيان: أحدهما: القرآن الذي هو كلام الله عز وجل والذي هو غير مخلوق، ومنه قول الله عز وجل:{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}[ق:١] وقوله سبحانه: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ}[الرحمن:١ - ٢] فإن المقصود به المقروء المتلو الذي هو كلام الله سبحانه وتعالى.
الثاني: القراءة، كما في قوله تعالى:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}[الإسراء:٧٨] يعني: قراءة الفجر، وكذلك قوله في سورة القيامة:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}[القيامة:١٦ - ١٨] يعني: اتبع قراءته، وقد ذكر ذلك شارح الطحاوية وقال: إن القرآن يأتي ويراد به القراءة ويأتي ويراد به المقروء، وذكر هذا الحديث:(زينوا القرآن بأصواتكم) يعني: زينوا القراءة بأصواتكم.
وعلى هذا فيكون المقصود بالقرآن هنا القراءة التي هي فعل العبد والتي هي مخلوقة؛ لأن القرآن فيه ملفوظ ولفظ وفيه قراءة ومقروء، وتلاوة ومتلو، فالتلاوة والقراءة هي فعل العبد وهي مخلوقة، وأما القرآن الذي هو كلام الله عز وجل الذي هو المقروء المسموع المكتوب في المصاحف فهو غير مخلوق.
إذاً: معنى الحديث هنا: [(زينوا القرآن بأصواتكم)] أي: زينوا القراءة بأصواتكم أو حسنوا القراءة بأصواتكم، فهنا أمر بالتحسين والتزيين الذي هو فعل العبد.
والحديث يدل على ما ترجم له المصنف، وهو ترتيل القراءة؛ لأن الترتيل هو من التحسين أو هو من التزيين.