[شرح حديث الصبر على الولاة إذا استأثروا بالفيء]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا مطرف بن طريف عن أبي الجهم عن خالد بن وهبان عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟ قلت: إذن والذي بعثك بالحق! أضع سيفي على عاتقي ثم أضرب به حتى ألقاك أو ألحقك، قال: أولا أدلك على خير من ذلك؟ تصبر حتى تلقاني)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء)، يعني: ما حالكم معهم وما موقفكم منهم؟ ومعلوم أنه قد جاءت الأحاديث الكثيرة في الصبر عند الأثرة، وأن الإنسان لا يقدم على شيء فيه مضرة من أجل حظ فاته من حظوظ الدنيا، أو أنه استؤثر عليه بشيء من أمور الدنيا، والرسول صلى الله عليه وسلم أوصى الأنصار رضي الله عنهم بأن يصبروا، (وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالسمع والطاعة، فكان أصحابه يبايعونه على الطاعة في عسرهم ويسرهم، ومنشطهم ومكرههم، وعلى أثره عليهم).
أي أن يستأثر بالمال دونهم فلا يدعوهم ذلك إلى الخروج وإحداث فتن تترتب عليها أضرار لا حد لها، فإن الأمن والاطمئنان خير من فوات شيء يريد بعض الناس أن يكون له.
فالواجب السمع والطاعة وعدم الخروج وعدم إيجاد أي شيء يحدث الفتن والقلاقل ويفرق الجمع، ويخل بالأمن، ولو فات الإنسان شيء من حظوظ الدنيا.
قوله: (يستأثرون بهذا الفيء).
والفيء: هو ما يؤخذ من الكفار بدون قتال، وحكمه أن يصرف في مصالح المسلمين، وإذا حصل بقتال فإنه غنيمة، والغنيمة تقسم أخماساً: أربعة أخماس منها تكون للغانمين، وخمس يكون للمصارف التي ذكرها الله عز وجل بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال:٤١] الآية.
قوله: [(تصبر حتى تلقاني)].
أي: تصبر حتى الموت، وهذا لا يدل على أن الأموات يتلاقون في البرزخ، ولكن كما جاء في الأنصار: (فاصبروا حتى تلقوني على الحوض).
قوله: [(قلت: إذن والذي بعثك بالحق! أضع سيفي على عاتقي، ثم أضرب به حتى ألقاك أو ألحقك)].
معناه: أي أنه سيقاتل من حصل منه ذلك، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى ما هو خير من ذلك، وهو ما يكون فيه السلامة، وعدم حصول الشيء الذي فيه مضرة، فقال له: (أولا أدلك على خير من ذلك؟ تصبر حتى تلقاني) يعني: أن الإنسان يصبر ولو حصل له ما حصل من المضرة، أو فاته ما فاته من المصالح، وذلك حتى ينتقل من هذه الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة ولم تحصل منه فتن وأمور يترتب عليها إضرار بالعامة، وحصول اختلال الأمن الذي لا يقر للناس معه قرار، ولا يهدأ لهم بال، ولا يطيب لهم عيش، ولا يأمنون على أنفسهم، ولا يستريحون في بيوتهم.
ولهذا جاءت الأحاديث الكثيرة في الصبر على جور الولاة وتحريم الخروج عليهم ولو كانوا جائرين، لما يترتب على الخروج من أضرار تفوق جورهم، وذلك بما يحصل بسبب ذلك من الفتن واختلال الأمن، وأن الناس لا يأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم ولا على أعراضهم.
وقد يقال: هل قوله: (أولا أدلك على خير من ذلك؟) فيه إرشاد إلى ما هو أفضل مع جواز الخروج؟
و
الجواب
لا يدل على ذلك؛ لأن النصوص واضحة في النهي عن الخروج، وهذا أخذ بالمشتبهات، والواجب هو الأخذ بالأمور الواضحة الجلية التي فيها تحريم الخروج على الولاة ولو كانوا جائرين، أو استأثروا بالمال، ولكن هذا فيه الإرشاد إلى ما فيه السلامة وإلى ما هو خير للإسلام والمسلمين، وهو الصبر وعدم الخروج.