للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجده من الغضب)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقال عند الغضب.

حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال: (استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فغضب أحدهما غضباً شديداً حتى خيل إلي أن أنفه يتمزع من شدة غضبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجده من الغضب، فقال: ما هي يا رسول الله؟! قال: يقول: اللهم! إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، قال: فجعل معاذ يأمره، فأبى ومحك، وجعل يزداد غضباً)].

أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب ما يقال عند الغضب]، أي: ما يقال من أجل أن يمنع الغضب أو يخفف الغضب أو ينهي الغضب، وذلك هو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فهناك أقوال، وهناك أفعال تكون عند الغضب، فالأقوال: هي الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والأفعال: هي أن يتوضأ الإنسان، وإذا كان قائماً أن يجلس، وإذا كان جالساً أن يضطجع، أو يقوم ويخرج ويترك المكان الذي وقع فيه الخصام والنزاع الذي حصل بسببه الغضب، فكل هذه الأمور تفعل عند الغضب وهي تخلص من الأمور السيئة التي تترتب على الغضب، فالإنسان قد يخرج عن شعوره ويتكلم بكلام شديد وقاس، وقد يخرج منه شيء وهو لا يشعر بسبب إفراطه في الغضب.

فالمقصود من الترجمة أنه عند الغضب يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويفعل أيضاً أفعالاً أخرى تخفف من وطأة الغضب وشدته أو تنهيه.

وأورد أبو داود حديث معاذ رضي الله عنه أن رجلين استبا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كل واحد يسب الآخر، فجعل أحدهما يشتد غضبه حتى كاد أنفه يتقطع من الغضب، يعني: أنه أحمر وجهه وانتفخ وصار على هيئة سيئة جداً حتى كان أنفه أن يتمزق أو يتقطع من شدة الغضب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد، قالوا: ما هي يا رسول الله؟! قال: يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم) لأن الغضب من الشيطان فكون الإنسان يسترسل مع الغضب فإنه يحصل منه كلام أو فعل لا تحمد عاقبته؛ ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل قال: (أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً، قال: لا تغضب) وذلك لما يترتب على الغضب من الأمور الخطيرة والأمور السيئة التي لا تحمد عقباها سواءً كانت قولية أو فعلية، وقد يهذي بشيء لا يعقله بسبب تمكن الغضب منه واستيلائه عليه، وقد يصل به الحال إلى أنه لا يعقل ما يقول والعياذ بالله، فجعل معاذ يأمره بأن يقولها، وهو مصر ومشتد في غضبه، ولم يحصل منه فعل ما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وأنه لو قاله لذهب عنه ما يجد.

والحديث في إسناده انقطاع، ولكنه صحيح من حيث الجملة؛ لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن ذلك ينفعه، وهو من الأسباب التي تخفف وطأة الغضب على الإنسان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>