[شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثالثة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال: حدثنا رجل من مزينة ح وحدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس قال: قال محمد بن مسلم: سمعت رجلاً من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ثم اتفقا: ونحن عند سعيد بن المسيب فحدثنا عن أبي هريرة وهذا حديث معمر وهو أتم قال: (زنى رجل من اليهود وامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله قلنا: فتيا نبي من أنبيائك، قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم! ما ترى في رجل وامرأة زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد، والتجبيه: أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت ألظ به النشدة فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟ قالوا: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأَخر عنه الرجم، ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه، فحال قومه دونه وقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة، فأمر بهما فرجما).
قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة:٤٤].
كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه في رجم اليهوديين.
قوله: [(زنى رجل من اليهود وامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف)].
وهم يريدوا أن يحصلوا عقوبة أخف من العقوبة التي عندهم في التوراة وهي الرجم، وهذا يدل على أن تحاكمهم ليس بحثاً عن الحق، وإنما يريدون شيئاً يوافق أهواءهم وما يشتهونه، فهذا هو، ولهذا قال بعض أهل العلم: إنه خير بين الحكم فيهم وعدم الحكم؛ لأنهم ما جاءوا يقصدون الحق أو يريدونه، ولكنه أمر بأن يحكم بينهم بالعدل والقسط، وأن يحكم بينهم بما أنزل الله.
قوله: [(فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله قلنا: فتيا نبي من أنبيائك)].
يعني: أنهم عولوا على ما جاء عن نبي من أنبياء الله، وهم لا يريدون الحق، ولكن إن حكم بما يناسبهم قبلوه، وإن حكم بما لا يناسبهم ردوه.
قوله: [(قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم! ما ترى في رجل وامرأة زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب)].
يعني: أنهم جاءوا إليه وهو في المسجد وسألوه هذا السؤال، فلم يكلمهم وإنما ذهب إلى بيت مدراسهم أي: المكان الذي يجتمعون فيه للدراسة والقراءة فوقف على الباب وسألهم.
قوله: [(فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد)].
يحمم يعني: يسود وجهه بالفحم، ويجبه بمعنى: أنه يركب على دابة ويكون وجهه إلى مؤخرها، وإذا كانوا اثنين فإنها تتقابل ظهورهما، يعني: لا يجعلان في اتجاه الدابة، بل يجعل واحد إلى اتجاه الدابة والثاني إلى خلفها، وذلك يدل على أن هذه فضيحة؛ لأن هذه هيئة غريبة، وهي التي تسمى: التجبيه.
قوله: [(والتجبيه: أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما، قال: وسكت شاب منهم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم)].
يعني: الموجودون تكلموا بهذا الكلام وسكت واحد منهم، فلما رآه سكت قصده بالسؤال وقال: أنشدك! قوله: [(فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت ألظ به النشدة)].
يعني: ألح عليه في السؤال بأن يجيبه فيما يجدونه في كتابهم فيمن زنى وهو محصن.
قوله: [(فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟)].
ما أول شيء تركتم فيه أمر الله وتحولتم إلى هذا الشيء الذي تفعلونه من التحميم والتجبيه والجلد؟ قوله: [(قال: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم)].
يعني: قريب الملك زنى فلم يقم عليه الرجم، فترك الرجم وأخر، ثم زنى رجل من أسرة فأراد أن يرجمه فقالوا: لا حتى يرجم ذلك الذي من أسرتك.
قوله: [(ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه وقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم)].
يعني: فاتفقوا على هذه العقوبة التي يقيمونها على كل أحد سواءً كان شريفاً أو ضعيفاً.
قوله: [(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما)].
حكم عليهما بما في القرآن وبما في السنة، وهو أيضاً مطابق لحكم التوراة.
قوله: [قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة:٤٤]، كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم].
هذا الذي ذكره عن الزهري قال: بلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو من الأنبياء الذين يحكمون بالتوراة، وإنما المقصود بالأنبياء الذين يحكمون بالتوراة هم أنبياء بني إسرائيل، وهم كثيرون من بعد موسى وكانوا يحكمون بالتوراة، ومعلوم أن الفرق بين الرسول والنبي أن الرسول: هو الذي تنزل عليه شريعة ابتداءً ويحكم بها، وأما الأنبياء فإنهم يؤمرون بأن يحكموا بشرائع سابقة ولم ينزل عليهم كتاب، كأنبياء بني إسرائيل من بعد موسى الذين أمروا بأن يحكموا بالتوراة وهي لم تنزل عليهم، وإنما نزلت على موسى، فإذاً: النبي هو الذي أمر بأن يحكم بشريعة سابقة والرسول هو الذي أنزل عليه شرع ابتداءً.