للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (أنا سيد ولد آدم، وأول من تنشق عنه الأرض)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن أبي عمار عن عبد الله بن فروخ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا سيد ولد آدم، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول مشفع)].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه بيان جملة من فضائله وخصائصه عليه الصلاة والسلام التي اختص بها وتميز بها عن غيره، وأولها قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم)، وهذا يدل على فضله على جميع البشر عليه الصلاة والسلام، وأنه سيدهم، وقد جاء هذا الحديث في صحيح مسلم بلفظ: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة)، وجاء في حديث الشفاعة: (أنا سيد الناس يوم القيامة) ثم ذكر حديث الشفاعة، وهو صلى الله عليه وسلم سيد البشر في الدنيا والآخرة، ولكنه نص هنا على يوم القيامة لأن ذلك اليوم هو اليوم الذي يظهر فيه سؤدده على البشر من أولهم إلى آخرهم، وذلك أنهم في ذلك الموقف يموج بعضهم في بعض، ويبحثون عمن يشفع لهم إلى ربهم، فيأتون إلى آدم فيعتذر، ثم إلى نوح فيعتذر، وإلى إبراهيم فيعتذر، وإلى موسى فيعتذر، وإلى عيسى فيعتذر، ثم يأتون إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فيتقدم للشفاعة، ويقول: أنا لها، فيشفعه الله عز وجل، وهذه هي الشفاعة العظمى، فيظهر سؤدده على الجميع في ذلك الموقف؛ لأن شفاعته حصلت للجميع واستفاد منها الجميع، وحصل أثر هذه الشفاعة وفائدتها لكل أهل الموقف، من لدن آدم إلى الذين قامت عليهم الساعة، وقيل لها: المقام المحمود؛ لأنه يحمده عليها الأولون والآخرون.

وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الأمور عن نفسه لأنه مبين عن الله كل ما يلزم الأمة أن تعتقده، وأن تأخذ به، وأن تعول عليه، ومن ذلك بيان ومعرفة قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند الله، وأن له هذه الميزات وهذه الفضائل؛ ليعتقدوها وليعرفوا قدره صلى الله عليه وسلم عند ربه، فهو عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء وليس بعده نبي، بخلاف الأنبياء السابقين فإنه قد جاء بعدهم من الأنبياء من بين فضائلهم، وما يتميز به كل واحد منهم، فقد بين نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فضائل المرسلين، وبين ما اختص به بعضهم، وأما نبينا عليه الصلاة والسلام فليس بعده نبي، وليس بعده وحي يأتي فيه تشريع وبيان ما يحتاج إليه الناس، فالشريعة كاملة تامة، وانتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى بعد أن بلغ البلاغ المبين وأدى للناس كل ما يحتاجون إليه، ولم يتركهم محتاجين إلى شيء، فلا تحتاج هذه الشريعة إلى تكميل، ولا إلى إضافات، ولا إلى بدع ومحدثات.

وفي هذا الحديث دليل على أنه يقال للمخلوق: سيد، ويكون ذلك لمن يستحق السيادة، ولا تقال لكل أحد، بل قد جاء النهي عن إطلاقها على من لا يستحقها كالمنافقين، فلا يقال للمنافق: سيد، ولا يقال للكافر: سيد، ولا يقال لمن لم يستحق السيادة إنه سيد، وقد جاء في السنة أيضاً إطلاق السيادة على بعض الصحابة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق سعد بن معاذ: (قوموا إلى سيدكم)، فإطلاق ذلك على المخلوق سائغ، وقد جاء ما يدل على أن السيد هو الله عز وجل، وهو من أسمائه سبحانه وتعالى، ويجمع بين هذا وهذا: بأن السؤدد الكامل الذي لا يماثله شيء هو المضاف إلى الله عز وجل، وأما المخلوق فيضاف إليه السؤدد الذي يناسبه، ولكن لا يغالى ولا يتجاوز الحد في ذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>