للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث أبي مسعود (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم ساعياً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في غلول الصدقة.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن مطرف عن أبي الجهم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: (بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساعياً ثم قال: انطلق أبا مسعود! ولا ألفينك يوم القيامة تجيء وعلى ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته، قال: إذاً لا أنطلق، قال: إذاً لا أكرهك)].

أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: (باب في غلول الصدقة) والحديث الأول فيه هدايا العمال وهي غير الصدقة، وإنما تعطى لمن ولي على الصدقة، وهنا ذكر غلول الصدقة يعني: كونه يأخذ شيئاً من الصدقة يختص به ويخون؛ لأن الحديث الأول فيمن أهدي له بسبب عمالته، وهذه الترجمة تتعلق بالأخذ من الصدقة أي: أن الإنسان يؤتمن على شيء فيخون، ويأخذ شيئاً منه.

والغلول هو الخيانة، وكل من خان في شيء يعتبر غالاً فيه، حيث أخذ شيئاً لا يستحقه، سواء كان أمانة عنده أو تحت ولايته ثم يأخذه لنفسه، وغلول الصدقة يعني الأخذ من الصدقة شيئاً يختص به، ويخفيه ويخون فيه.

أورد أبو داود حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على الصدقة وقال: (انطلق أبا مسعود! لا ألفينك تأتي يوم القيامة وعلى رقبتك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته).

أي: انطلق يا أبا مسعود! في هذه المهمة لجباية الصدقة.

قوله: (ولا ألفينك تأتي يوم القيامة) أي: لا أجدنك تأتي يوم القيامة وعلى ظهرك بعير قد غللته من إبل الصدقة.

قوله: (غللته) يعني: أخذته واختصصت به، واختلسته من الصدقة لتتموله، وهذا يدل على أن الإنسان يأتي بما غل يوم القيامة، ويكون ذلك فضيحة له على رءوس الأشهاد والعياذ بالله.

قوله: [(قال: إذاً لا أنطلق)] يعني أنه لا يقدم على هذا العمل؛ لأنه يخشى أن تحصل منه مخالفة، ويترتب عليها هذا الإثم العظيم.

وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله عنهم وأرضاهم من الخشية من الوقوع في الأمور المحرمات، وأن الواحد قد يترك الشيء لما يخشى أن يترتب عليه، وإن كان غير متحقق وغير متيقن من وقوعه في الإثم لكن كانوا يبتعدون عن ذلك خوفاً أن يترتب على ذلك هذا الأمر الخطير، وما يتبعه من الإثم العظيم، وهو كونه يأتي بهذا الذي غله يوم القيامة يحمله على رقبته فيكون ذلك فضيحة له.

قوله: [(قال: إذاً لا أكرهك)].

يعني: لا ألزمك أن تقوم بهذه المهمة، فالأمر إليك، إن شئت أن تذهب ذهبت، وإن شئت أن تترك فأنا لا أكرهك ولا ألزمك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>