[شرح حديث: (أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب لحم الصيد للمحرم.
حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان بن كثير عن حميد الطويل عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبيه: (وكان الحارث خليفة عثمان على الطائف، فصنع لـ عثمان رضي الله عنه طعاماً فيه من الحجل واليعاقيب ولحم الوحش، قال: فبعث إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فجاءه الرسول وهو يخبط لأباعر له، فجاءه وهو ينفض الخبط عن يده، فقالوا له: كل، فقال: أطعموه قوماً حلالاً فإنا حرم، فقال علي رضي الله عنه: أنشد الله من كان هاهنا من أشجع: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم)].
قوله: [باب لحم الصيد للمحرم] يعني: المحرم لا يصيد ولا يأكل ما صيد من أجله، ولا يساعد على الصيد ولا يعين عليه، وهذا هو الذي دل عليه القرآن ودلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اختلفت الأحاديث فيما يتعلق بالذي يصيده الحلال، هل يأكله المحرم أو لا يأكله؟ فقد جاء في بعض الأحاديث كما في حديث علي هذا، وكما في حديث الصعب بن جثامة الليثي الذي في الصحيحين ولم يأت عند أبي داود (أنه صلى الله عليه وسلم رد الذي أهدي إليه وقال: إنا لم نرده إلا أنّا حرم)، ولكن جاء في حديث أبي قتادة الذي في الصحيحين وقد أورده أبو داود: (أن أبا قتادة رضي الله عنه كان مع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وكانوا محرمين وهو غير محرم)، وجاء في بعض الروايات: (أنهم كانوا خرجوا حجاجاً)، وهذا الذي سبق أن أشرت إليه أن العمرة يطلق عليها حج بالمعنى العام، ويقال لها: الحج الأصغر، ففي حديث أبي قتادة: (أنهم خرجوا مع النبي وهم محرمون والرسول صلى الله عليه وسلم محرم، وأبو قتادة لم يكن محرماً، فرأى حماراً وحشياً فطلب من بعض الناس أن يساعدوه وأن يعطوه سوطه ورمحه فلم يجيبوه) وذلك لأنهم محرمون، وكانوا يعلمون أن المحرم لا يقتل الصيد ولا يعين على قتله.
(فنزل هو وأخذ الرمح شد على الحمار حتى عقره، فأكل منه بعض الصحابة وبعضهم لم يأكل، فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك، فقال: إنما هي طعمة أطعمكموها الله تعالى).
وفي هذا الحديث أن الحلال إذا صاد شيئاً من أجل المحرم فلا يأكله المحرم، وإن كان لم يصده من أجله ولكنه أعطاه، فهذا هو الذي يجوز.
فيجمع بين الأحاديث في هذا الباب بهذا التفصيل وبهذا التوفيق.
قوله: [(وكان الحارث خليفة عثمان رضي الله عنهما على الطائف فصنع لـ عثمان طعاماً فيه من الحجل واليعاقيب ولحم الوحش، قال: فبعث إلى علي بن أبي طالب فجاءه الرسول وهو يخبط لأباعر له، فجاءه وهو ينفض الخبط عن يده، فقالوا له: كل)].
يعني: كان الحارث أميراً على الطائف لـ عثمان رضي الله عنه، وصنع له طعاماً فيه حجل وفيه يعاقيب، واليعاقيب هي ذكور الحجل، وقيل غير ذلك، والمقصود أنها من الصيد، فبعث بطعام إلى علي رضي الله عنه، وكان علي يخبط لأباعر له، والخبط هو أن يضرب الشجرة حتى يسقط ورقها، ويعلفها الإبل، وتبقى الأصول والأغصان، وينبت الورق مرةً ثانية، هذا هو الخبط، فجعل علي رضي الله عنه ينفض يديه من أثر الخبط الذي كان بمباشرته ذلك العمل.
قوله: [(فقال: أطعموه قوماً حلالاً فإنا حرم)].
يعني: أن الذي صاده الحلال إنما يأكله الحلال، ولا يأكله المحرم، ونحن محرمون، ثم بعد ذلك سأل من كان عنده علم من أشجع ممن كانوا حاضرين، فقالوا مثل ما قال رضي الله عنه وأرضاه، ومثله حديث الصعب بن جثامة الذي في الصحيحين: (أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش فرده عليه، فلما رأى في نفسه شيئاً من التأثر قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم).
قالوا: فيحمل على ما صيد من أجل المحرم فإنه يمنع منه، وما لم يصد من أجله له أن يأكل منه.