للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث فضل الحرس في سبيل الله]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل الحرس في سبيل الله عز وجل: حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية -يعني ابن سلام - عن زيد -يعني ابن سلام - أنه سمع أبا سلام قال: حدثني السلولي أبو كبشة أنه حدثه سهل بن الحنظلية رضي الله عنه: (أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كانت عشية، فحضرت الصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله! إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله، ثم قال: من يحرسنا الليلة؟ قال أنس بن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنهما: أنا يا رسول الله قال: فاركب، فركب فرساً له وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ولا نغرن من قبلك الليلة.

فلما أصحبنا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين ثم قال: هل أحسستم فارسكم؟ قالوا: يا رسول الله! ما أحسسناه.

فثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، حتى إذا قضى صلاته وسلم قال: أبشروا فقد جاء فارسكم، فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلم فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أصبحت اطلعت على الشعبين كليهما فنظرت فلم أر أحداً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل نزلت الليلة؟ قال: لا، إلا مصلياً أو قاضياً حاجة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد أوجبت، فلا عليك ألا تعمل بعدها)].

أورد أبو داود رحمه الله باب فضل الحرس في سبيل الله، أي: الحراسة في سبيل الله، يعني بها حراسة المسلمين وتنبيههم على مداخل عدوهم وقدومه عليهم أو اتجاهه إليهم حتى يكونوا على استعداد لملاقاته فلا يأتيهم غرة وهم غير مستعدين فيترتب على ذلك الضرر.

والحراسة في سبيل الله شأنها عظيم، ولهذا جاء في هذا الحديث ما ذكر من فضلها.

قوله: [(إنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين)].

يعني: في الذهاب إلى حنين، وذلك سنة ثمان من الهجرة.

قوله: [(فأطنبوا السير)] معناه اشتدوا في السير.

قوله: [(حتى كانت عشية)].

يعني: حتى جاء الليل.

قوله: [(فحضرت الصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين)].

ثم إن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه يذكر أنه جاء فارس من الفرسان الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إنني رأيت هوازن قد جاءوا على بكرة أبيهم، وهي عبارة تستعمل لمجيء القوم جميعاً لا يتخلف منهم أحد.

قوله: [(بظعنهم)] يعني: معهم نساؤهم.

قوله: [(وشائهم)] هي الغنم.

قوله: [(ونعمهم)] هي الإبل؛ فمعهم النساء والإبل والغنم.

فتبسم صلى الله عليه وسلم ضاحكاً وقال: هذه غنيمة.

قوله: [(ثم قال: من يحرسنا الليلة؟)].

هذا محل الشاهد في الحراسة، وفضلها يأتي في آخر الحديث.

[(فقال أنس بن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه: أنا يا رسول الله، فقال له: اركب! فركب وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم)] فأرشده إلى طريقة الحراسة التي يريدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: [(استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا نغرن من قبلك الليلة)].

والشعب هو الطريق الذي يكون بين الجبلين.

قوله: [(حتى تكون في أعلاه)] معناه أن الشعب يكون فيه انحدار وارتفاع، والعدو كما هو معلوم يأتي من هذه الطرق التي تكون بين الجبال، ولا يأتي من فوق الجبال، فإذا كان الناس في أماكن يتوصل إليها عن طريق الشعاب، فإن العدو يأتي من الشعاب، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يذهب إلى هذا الشعب وأن يكون في أعلاه وقال: [(لا نغرن من قبلك الليلة)] يعني: لا يحصل العدو منا على غرة ونحن آمنون وأنت قد أهملت؛ إما أنك نمت أو أنك ما قمت بالأمر المطلوب، فتترتب على ذلك مضرة.

قوله: [(فلما أصحبنا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين ثم قال: هل أحسستم فارسكم؟ قالوا: يا رسول الله! ما أحسسناه، فثوب بالصلاة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب)].

أي: لما طلع الصبح وأذن لصلاة الصبح صلى ركعتين وهما ركعتا الفجر، وكان يحافظ عليهما وعلى الوتر في الحضر والسفر.

قوله: [(هل أحسستم صاحبكم؟)] يعني هل رأيتموه جاء، لأنه إذا جاء يأتيهم بالخبر وأن الجهة آمنه ونحو ذلك، وإذا كان لم يأت فيخشى أن يكون العدو قد أخذه، وربما يأتي العدو من هذه الطريق.

قوله: [(فثوب بالصلاة)] يعني: أقيمت الصلاة، لأن التثويب هو الإقامة، لأنه رجوع إلى النداء الأول الذي هو الأذان، أي: فإذا أقيمت الصلاة فقد رجع المؤذن إلى ذكر الله والنداء للصلاة، إلا أن الأول نداء للحضور إليها وإشعار بأول وقتها، وهذا نداء بالقيام إليها والاستعداد للدخول فيها، وقد سبق أن مر في الحديث (أن الشيطان يأتي يوسوس للإنسان فإذا سمع النداء ولى وله ضراط) ثم يرجع بعد انقضاء الأذان، فإذا ثوب بالإقامة هرب.

قوله: [(فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ويلتفت إلى الشعب)] يعني: فكان يصلي ويلتفت، وهذا يدلنا على أن الالتفات في الصلاة إذا كان لحاجة تقتضي ذلك كالخوف فقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الالتفات المحذور ما كان لغير حاجة.

ثم الالتفات إنما يكون بإدارة الرأس وليس بإدارة الجسم، لأنه إذا أدار الجسم أخل باستقبال القبلة.

قوله: [(حتى إذا قضى صلاته وسلم قال: أبشروا! فقد جاءكم فارسكم)].

معناه أنه لا خطر عليكم، وأن المحذور الذي تخشونه غير واقع، وأن الجهة آمنة وأن الناس على مأمن.

قوله: [(فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب؛ فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحت اطلعت على الشعبين كليهما فنظرت فلم أر أحداً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل نزلت الليلة؟ قال: لا، إلا مصلياً أو قاضياً حاجة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد أوجبت، فلا عليك ألا تعمل بعدها)].

ثم إنه أخبر بأنه كان على ذلك المرتفع، وأنه لما أصبح نظر من الشعبين فلم ير أحداً، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هل نزلت) أي: من فوق الفرس، (قال: لا، إلا مصلياً أو قاضياً لحاجة).

<<  <  ج:
ص:  >  >>