[شرح حديث: (مرضت فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الكلالة.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان قال: سمعت ابن المنكدر أنه سمع جابراً رضي الله عنه يقول: (مرضت فأتاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعودني هو وأبو بكر رضي الله عنه ماشيين، وقد أغمي علي فلم أكلمه، فتوضأ وصبه علي فأفقت، فقلت: يا رسول الله! كيف أصنع في مالي ولي أخوات؟ قال: فنزلت آية المواريث: ((يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ)) [النساء:١٧٦])].
أورد أبو داود [باب في الكلالة]، والكلالة: هي الميراث لغير الأصول والفروع؛ لأن الذي ليس له أصول ولا فروع، والذي يرث وهو ليس من الأصول ولا من الفروع يقال له: كلالة؛ والأصول والفروع هما عمود النسب، فالعمود الأعلى هو الآباء والأمهات، والعمود من أسفل هو الأبناء والبنات، وأبناء البنين وإن نزلوا، فما كان من غير الأصول والفروع فهو كلالة.
ويقال للميت حينئذ كلالة لأن الورثة أحاطوا به من الجوانب؛ لأنهم ليسوا من أصوله ولا من فروعه، ولكنهم من حواشيه الذين يحيطون به ويلتفون حوله، فميراث هؤلاء يقال له: كلالة، ويكون هذا في حق الإخوة والأخوات مطلقاً سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم، ويكون أيضاً لأبناء الإخوة الأشقاء، والإخوة لأب، ويكون أيضاً في الأعمام وأبناء الأعمام؛ هؤلاء هم الذين يرثون كلالة؛ لأنهم لا يعتبرون من الأصول أو الفروع، فهم يحيطون بالميت ويحدقون به، ويرثون بهذه الطريقة لأنهم يدلون إلى الميت بأبيه كالإخوة، أو بجده كالأعمام.
ويكون فيهم الإخوة الأشقاء أو لأب وبنوهم، والأخوات كذلك دون أولادهن، والأعمام وبنوهم دون العمات ودون بنات الأعمام، فإنهن لسن من أصحاب الميراث، ويدخل فيهم أيضاً الإخوة لأم دون أولادهم؛ لأن أبناء الإخوة لأم لا ميراث لهم.
وعلى هذا فالإخوة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: إخوة أشقاء وإخوة لأب وإخوة لأم.
فالإخوة لأم من أصحاب الفروض، الواحد منهم يعطى السدس، فإن زادوا أخذوا الثلث، ولا يرثون بالتعصيب، ولا يرثون إلا عند عدم الفرع الوارث والأصل الذكر، وهم: الأب والجد، والابن والبنت، أو ابن الابن أو بنت الابن؛ لأنه ليس لهم ميراث مع الأصول والفروع فهم محجوبون، ولكن إذا لم يوجد أصول ولا فروع يحجبونهم فإنهم يرثون، وميراثهم هو: إن كان واحداً فله السدس، سواء كان ذكراً أو أنثى وإن كانوا اثنين أو أكثر فإنهم شركاء في الثلث سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً أو مختطلين؛ لأنهم يستوي ذكرهم وأنثاهم، فالذكر الواحد له السدس، والأنثى الواحدة لها السدس، وأكثر من واحد سواء كانوا من الذكور الخلص، أو من الإناث الخلص، أو من الذكور والإناث مختلطين فلهم الثلث، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء:١٢].
أما أولاد الإخوة لأم فإنهم ليسوا من أهل الميراث لا فرضاً ولا تعصيباً.
وأما الإخوة الأشقاء، فإن كانوا ذكوراً وإناثاً، فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كانوا إخوة لأب ذكوراً وإناثاً فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كن أخوات شقيقات فلهن الثلثان، وإن كانت واحدة فلها النصف، وكذلك الأخوات لأب إذا كن جمعاً فلهن الثلثان، وإن كانت واحدة فلها النصف.
هذا إذا كن أخوات شقيقات خلص، أو أخوات لأب ليس معهن غيرهن، فإن كن جمعاً من الأخوات الشقيقات والأخوات لأب، فإن الأخوات لأب لا ميراث لهن؛ لأن الأخوات الشقيقات يستغرقن الثلثين الذي هو ميراث الأخوات، وإن كانت أختاً واحدة شقيقة والباقي أخوات لأب واحدة فإنهن يرثن السدس تكملة الثلثين؛ لأن الأخوات لهن الثلثان، فإذا وجدت واحدة من الشقيقات، أخذت النصف، والسدس تكملة الثلثين يكون للأخوات لأب سواء كن جمعاً أو واحدة.
وبنات الإخوة ليس لهن ميراث، وإنما الميراث لبني الإخوة الأشقاء ولأب.
وأما الأعمام فإنهم يأخذون ما أبقت الفروض إن لم يوجد إخوة أشقاء ولا إخوة لأب ولا أبناؤهم، وكذلك إن لم يوجد الفرع الوارث والأصل الذكر الوارث فإن الميراث ينتقل إلى الأعمام، وإن كان الأعمام غير موجودين، انتقل إلى بني الأعمام، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر).
والكلالة نزلت فيها آيتان: الآية الأولى في أول سورة النساء، وهي مع آية الأزواج، وهي خاصة بالإخوة لأم، وطريقة ميراثهم: أن الفرد الواحد منهم له السدس، وإذا كانوا أكثر من واحد فلهم الثلث، سواء كانوا ذكوراً خلصاً، أو إناثاً خلصاً، أو مختلطين من الذكور والإناث، وأولاد الإخوة لأم ليس لهم ميراث مطلقاً.
أما الإخوة الأشقاء والإخوة لأب فقد جاءت فيهم آية الكلالة التي في آخر النساء، وميراث الإخوة الأشقاء والإخوة لأب هو أن الإناث إذا كانت واحدة فلها النصف، وإن كن اثنتين فأكثر فلهما الثلثان، وإذا وجد شقيقات ولأب، فإن الشقيقات إذا كن أكثر من واحدة يحجبن الأخوات لأب، وإن كانت واحدة فقط فالأخوات لأب يأخذن السدس تكملة الثلثين.
وإذا كانوا ذكوراً فقط وكانوا إخوة أشقاء فإنهم يحجبون الإخوة لأب، ويستقلون بالميراث، وإذا لم يوجد الإخوة الأشقاء يرث الإخوة لأب كما يرث الإخوة الأشقاء، فإذا كانوا ذكوراً وإناثاً فللذكر مثل حظ الأنثيين، قال الله عز وجل: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:١٧٦]، وعلى هذا فقد جاء في كتاب الله عز وجل في أول سورة النساء وفي آخر سورة النساء بيان ميراث أصحاب الكلالة الذين ليسوا أصولاً ولا فروعاً مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر).