قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث.
حدثنا محمد بن العلاء أن زيد بن الحباب حدثهم قال: حدثنا حسين بن واقد قال: حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر ثم قال: صدق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}[التغابن:١٥]، رأيت هذين فلم أصبر، ثم أخذ في الخطبة)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي:[الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث] يعني: إذا كان هناك أمر يقتضي قطع الخطبة فإنه يسوغ قطعها، ويكون قطعها بأن ينزل من المنبر لحاجة أو بأن يأتي بكلام لا علاقة له بالخطبة بل يتعلق بالأمر الذي قطع الخطبة من أجله، ثم يعود إلى خطبته، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس يوم الجمعة، فجاء الحسن والحسين عليهما ثوبان أحمران يعثران ويقومان، فلما رآهما النبي صلى الله عليه وسلم نزل وحملهما وصعد بهما على المنبر، وقال عليه الصلاة والسلام: [صدق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}[التغابن:١٥]] ثم قال: [(رأيت هذين فلم أصبر) ثم أخذ في خطبته] فالرسول صلى الله عليه وسلم قطع الخطبة بكونه نزل من المنبر وأخذ الحسن والحسين وحملهما، ثم بين للناس الأمر الذي دفعه إلى قطع الخطبة، وأنه لم يصبر لما رآهما، وذلك من رأفته وشفقته ورحمته ولطفه صلى الله عليه وسلم، ثم عاد إلى خطبته، وواصل الخطبة بعد أن نزل وأخذ الطفلين وحملهما معه.
وفيه كون الإنسان عندما يتضح له ظهور النص ووضوحه يقول:(صدق الله)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حصل منه عدم الصبر والرأفة بهما والرحمة قال عليه الصلاة والسلام: [صدق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}[التغابن:١٥])]، فالله تعالى قال:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}[التغابن:١٥] وقال: (صدق الله)؛ لأن هذا الشيء عندما حصل سببه وعندما حصل ذلك الشيء الذي اقتضاه أظهر مدى حصوله وانطباقه، وأن الله عز وجل صادق فيما قال؛ لأن هذه القضية وهذه الواقعة مما يوضح هذا، ومما يدل بجلاء ووضوح على هذا الشيء، فالأموال والأولاد فتنة، يفتن الناس بمحبتهم وبالانشغال بهم، وهكذا يقال عند الأمور المناسبة وعند الأمور التي فيها وضوح وجلاء في انطباق النص على قضية من القضايا، وتكون في غاية الوضوح، ومثله الحديث الذي فيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سأل أميره بمكة: من وليت على أهل مكة؟ قال: وليت عليهم ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من الموالي، قال: وليت عليهم مولى؟! قال: إنه عالم بكتاب الله، عارف بالفرائض، قال: صدق محمد صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين).