[شرح حديث يزيد بن الأسود في قصة الرجلين اللذين صليا في رحالهما]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة أخبرني يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه رضي الله عنه: (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام شاب، فلما صلى إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد، فدعا بهما، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا، فقال: لا تفعلوا، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه؛ فإنها له نافلة)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم، يعني: أن الإنسان إذا صلى وحده أو صلى مع جماعة، ثم جاء وأدرك الجماعة تصلي فإنه يصلي معهم، فتكون الأولى له فريضة والثانية نافلة؛ لأنه أدى الفرض بصلاته الأولى سواء كان وحده أو في جماعة، لكنه إذا وجد جماعة تصلي فيشرع له أو يسن له أن يصلي معهم، ولا يجلس في المسجد والناس يصلون؛ لأن هذه الهيئة مستنكرة، ومن يفعلها يساء به الظن، فكون الناس يصلون وهو جالس هذا شيء لا ينبغي.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث يزيد بن الأسود رضي الله عنه: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في منى في مسجد الخيف في حجة الوداع، فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من صلاته وإذا برجلين قد جلسا في ناحية المسجد لم يصليا مع الناس فدعا بهما، أي: طلب أن يأتيا، فأتي بهما ترتعد فرائصهم، يعني: أنهما خشيا وخافا أن يحصل لهما شيء خطير، وكان عليه الصلاة والسلام مهيباً مع رفقه وقربه من الناس وسهولته وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يهابونه، كما جاء عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في صحيح مسلم أنه قال: إنه ما ملأ عينه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالاً وهيبة له عليه الصلاة والسلام، فهذان الرجلان جيء بهما ترتعد فرائصهما، والفرائص هي في الدابة بين الكتف والجنب، يعني: أنها تتحرك وتضطرب ممن يحصل له خوف وذعر.
قوله: (فأتي بهما ترتعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: إنا صلينا في رحالنا) صلاتهما في الرحال يحتمل أن يكون كل واحد صلى وحده، أو أنهما صليا مع بعض، أو أنهما صليا جماعة مع من كان معهما في الخيام؛ لأنهم كانوا ينزلون في منى حجاجاً، ومن المعلوم أن الحجاج يصلون جماعات كثيرة، وكل مجموعة يصلون مع بعض، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يؤم الناس ويصلي بهم في مسجد الخيف فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقوله: (قالا: إنا صلينا في رحالنا) المقصود بالرحل هنا: المنزل.
فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تفعلوا) يعني: إذا حصل أنكم صليتم في رحالكما وأتيتما والإمام لم يصل فصليا معه، وهذه الصلاة التي تصليانها تكون نافلة؛ لأن الفريضة هي الأولى، فإذا دخل الوقت وصلى الإنسان الفرض سواء كان وحده أو في جماعة فهذا هو الفرض، وما يأتي بعد ذلك يكون نافلة.
والحديث مطلق يدل على أن أي صلاة يمكن أن تعاد بدون استثناء، وبعض أهل العلم استثنى المغرب والفجر والعصر وقال: إن المغرب ثلاثية، والعصر لا يصلى بعدها، والصبح لا يصلى بعدها، لكن الحديث -كما سيأتي في الراوية الثانية- كان في صلاة الصبح، ومعنى هذا: أنه ولو كان وقت نهي فإن هذه مستثناة لأن لها سبب، وهو وجود الجماعة، فدل هذا على أن إعادة الجماعة الثانية بعد صلاة الفجر لا بأس بها؛ لأنه جاء في السنة ما يدل على ذلك، فيكون قوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس)، يخص منه ماله سبب، وهذه الصلاة هي ذات سبب؛ لأن السبب هو وجود الجماعة، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد هذين الرجلين وأنكر عليهما كونهما كانا جالسين لم يصليا معه الفجر، وأنه كان عليهما أن يدخلا معه في الصلاة.
فإذاً: هذا الإرشاد بقوله: (إذا صليتما وأتيتما والإمام لم يصل فصليا معه تكن لكما نافلة) تدخل جميع الصلوات تحت هذا الإطلاق، سواءً كانت بعدها نهي كالصبح والعصر، أو ثلاثية كالمغرب، والحديث جاء في صلاة بعدها وقت نهي، فدل ذلك على استثناء مثل هذه الصلاة من النهي.
والحديث فيه أيضاً صلاة المتنفل خلف المفترض كما ذكرنا.