قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل -يعني: ابن جعفر - عن داود بن بكر بن أبي الفرات عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)].
أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما أسكر كثيره فقليله حرام) وهذا يدلنا على أن كل مسكر محرم قليله وكثيره، أما كثيره فمن أجل الإسكار، وأما قليله فمن أجل أنه ذريعة إلى الكثير، ووسيلة إلى الوصول إلى الكثير، فلذا يقطع الطريق أمام الإنسان، حتى لا يعرض نفسه للوقوع في هذه الخبيثة أم الخبائث، فلو لم يسكر القليل فإنه لا يجوز تعاطيه وإن لم يسكر؛ لأن الأخذ منه والتساهل فيه يؤدي إلى الوصول إلى الكثير الذي يحصل به الإسكار، لكن إذا منع نفسه من ذلك، وحال بين نفسه وبين ذلك، وأبعد نفسه عن ذلك؛ كان في ذلك سلامته ونجاته.
إذاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) يدلنا على أن كل ما كان مسكراً من أي شيء كان فإنه حرام، وأن ما أسكر منه الكثير فإنه يحرم منه القليل، ولا يقال: إن الأمر متعلق بالإسكار فقط، وأنا أشرب حيث لا إسكار، بل الرسول صلى الله عليه وسلم منع ذلك؛ لأنه ذريعة ووسيلة إلى الوصول إلى الأمر المحرم، والشريعة جاءت بسد الذرائع.
والإمام ابن القيم رحمه الله ذكر في كتابه إعلام الموقعين تسعة وتسعين دليلاً على سد الذرائع التي توصل إلى الأمور المحرمة، فالوسائل حرمت من أجل الغايات؛ لأنها تؤدي إلى أمر محرم، فحرم ذلك الشيء الذي يؤدي إليه وإن كان هو نفسه لا يحصل منه الإسكار.