شرح حديث (أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطول)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال هي من الطول: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أوتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعاً من المثاني الطول، وأوتي موسى عليه السلام ستاً، فلما ألقى الألواح رفعت ثنتان وبقي أربع)].
قوله: [(باب من قال هي من الطول)] كلمة (هي) يحتمل أن ترجع إلى الفاتحة، ولكن هذا يشكل؛ لأنها ليست من الطول؛ لأن الطول هي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة، أما الفاتحة فهي من السور القصيرة وليست من الطول، ويحتمل أن يكون المراد بكلمة (هي) أي: السبع المثاني التي جاءت في الأحاديث السابقة، وهذا هو الذي يناسب، فيقال: السبع المثاني تطلق على الفاتحة؛ لأنها تثنى في الصلاة، وتطلق على السبع الطول التي هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والسابعة هي على الأقوال التي أشرت إليها، فمنهم من قال: الأنفال والتوبة هما سابعة السبع الطوال، ومنهم من قال: التوبة وحدها، ومنهم من قال: الأنفال وحدها، فالمناسب أن يكون الضمير راجعاً إلى السبع المثاني التي جاءت في الأحاديث السابقة، وأنها كما فسرت بأن السبع المثاني يراد بها الفاتحة، وأيضاً يراد بها السبع الطول، ولا تنافي؛ لأن سورة الفاتحة يقال لها: مثاني لأنها تثنى فيها القراءة، ويقال للسبع الطول: مثاني لأنها تثنى فيها القصص والأحكام، ولا تنافي بين ذلك، فكل من القولين حق وله وجه.
وقد قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي}[الحجر:٨٧]: إن هذا مثل إطلاق أول مسجد أسس على التقوى على مسجد قباء وعلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الآية نزلت في مسجد قباء، ولما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى أشار إلى مسجده؛ لأن كلاً منهما أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد قباء يقال: إنه أسس على التقوى من أول يوم، وكذلك مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له ذلك، وكذلك الفاتحة يقال لها: السبع المثاني؛ لأنها سبع آيات تثنى في الصلاة، ويقال -أيضاً- للسبع الطول: إنها السبع المثاني التي تثنى فيها القصص والأحكام.
فكلمة (هي) يحتمل أن تكون راجعة للفاتحة، ولكن هذا مشكل ولا يستقيم، ويحتمل أن تكون راجعة للسبع المثاني.
قوله:[أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطول] ذكر الطول هنا يدل على أن المقصود بها سور طول، والطول: جمع طولى، كالكبر: جمع كبرى، يعني: سورة طولى بالنسبة لغيرها.
قوله:[وأوتي موسى ستاً، فلما ألقى الألواح رفعت اثنتان] يعني: رفع مما أنزل في التوراة اثنتان، ولعل المقصود بقوله:[رفع] أنه نسخ مثلما تنسخ التلاوة والحكم بالنسبة للقرآن الكريم.