للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (يا صاحب السبتيتين! ويحك ألق سبتيتيك)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المشي في النعل بين القبور.

حدثنا سهل بن بكار حدثنا الأسود بن شيبان عن خالد بن سمير السدوسي عن بشير بن نهيك عن بشير مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنه -وكان اسمه في الجاهلية زحم بن معبد فهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (ما اسمك؟ قال: زحم، فقال: بل أنت بشير) - قال: (بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً، ثلاثاً، ثم مر بقبور المسلمين فقال: لقد أدرك هؤلاء خيراً كثيراً، وحانت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظرة فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان، فقال: يا صاحب السبتيتين! ويحك ألق سبتيتيك، فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلعهما فرمى بهما)].

ثم قوله: [باب المشي في النعل بين القبور]، أي: أن ذلك لا يجوز، إلا إذا كانت المقبرة فيها حرارة شديدة في الرمضاء، أو كان فيها شوك يتأذى به الإنسان فإنه يمشي بالنعل، ولكن يكون ذلك بين القبور، وليحرص على ألا يطأ على قبر، والنهي جاء حتى عن المشي بين القبور، كما أورده أبو داود في حديث بشير بن الخصاصية رضي الله عنه، فهو يدل على أن المشي في المقبرة لا يجوز بالنعال، ولكن إذا كان هناك أمر يقتضيه كأن تكون الشمس حارة وفيها رمضاء، أو كان فيها شوك أو شيء يؤذي فيمكن للإنسان أن يستعمل ذلك من باب ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما، وذلك سائغ؛ لأن هذا ضرر وهذا ضرر، ولكنه لا يطأ على قبر؛ حتى لا يكون الامتهان واضحاً.

وقد أورد أبو داود حديث بشير بن الخصاصية رضي الله عنه: (أنه كان يمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمرا بقبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثراً) أي: أنهم تقدموا وجاء خير كثير بعدهم لم يدركوه، (وجاء إلى قبور المسلمين وقال: لقد أدرك هؤلاء خيراً كثراً) أي: أنهم لحقوه وأدركوه وصاروا من أهل ذلك الخير، وأما أولئك فلم يبقوا حتى يدركوا ذلك الخير الذي جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام، فماتوا على الشرك والكفر ففاتهم ذلك الخير، (ثم حانت منه التفاتة) أي: التفت (فرأى رجلاً يمشي في القبور وعليه نعلان سبتيتان)، والنعلان السبتيتان هما اللتان صنعتا من الجلد المدبوغ بالقرض، (فقال: يا صحاب السبتيتين! ألقهما)، وليس معنى ذلك أنه خاص بالسبتيتين، بل هو عام في جميع النعال ولعله ذكر السبتيتين حتى يتنبه ذلك الرجل إلى النعل التي كانت عليه فيعرف أنه المقصود، (فقال: يا صاحب السبتيتين! ألقهما) أي: لا تمشي بهما، (فخلعهما) أي: أنه بادر إلى الامتثال لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المبادرة إلى امتثال ما جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والحكم هنا عام لجميع النعال وليس مقصوراً على السبتيتين، وبعض الناس قالوا: إن هذا خاص بالسبتيتين؛ لأن فيهما ترفاً، ولا يستعملهما إلا أهل الترف، وهذا ليس بصحيح، فالمقصود من ذلك النعال مطلقاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>