للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (جاء رجل إلى النبي فقال إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يصيب من المرأة ما دون الجماع فيتوب قبل أن يأخذه الإمام.

حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سماك عن إبراهيم عن علقمة والأسود قالا: قال عبد الله رضي الله عنه: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا فأقم علي ما شئت، فقال عمر رضي الله عنه: قد ستر الله عليك لو سترت على نفسك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فانطلق الرجل، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فدعاه، فتلا عليه: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود:١١٤] إلى آخر الآية، فقال رجل من القوم: يا رسول الله! أله خاصة أم للناس كافة؟ فقال: للناس كافة)].

قوله: [باب في الرجل يصيب من المرأة ما دون الجماع فيتوب قبل أن يأخذه الإمام] معلوم أنه إذا أخذه الإمام فعقوبته التعزير؛ لأنه ليس هناك حد في هذا؛ لأنه ما وقع في الزنا، فعليه التعزير، ولكن إذا جاء تائباً وأخبر بحصول الشيء منه وأنه قد تاب منه، فإنه يسقط عنه التعزير، وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها) إلى آخر الحديث.

فقوله: [(إني عالجت امرأة فأصبت منها ما لم أمسها)] أي: أنه حصل منه شيء غير الجماع، (فأنا هذا قائم) أي: افعل بي ما تشاء لأجل هذا الذنب الذي قد حصل مني.

قوله: [(فقال عمر رضي الله عنه: قد ستر الله عليك لو سترت على نفسك)].

فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل شيئاً، وذهب الرجل، فأنزل الله عليه: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤]، فدعا بالرجل فأتي به وتلا عليه هذه الآية، فدل ذلك على أن الصغائر التي ليس فيها حد تكفرها الصلوات والأعمال الصالحة، ولهذا قال: ((إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)) أي: الصغائر، أما الكبائر فلا تذهبها الحسنات ولابد لها من التوبة، كما قال الله عز وجل: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:٣١].

قوله: [(فقال رجل من القوم: يا رسول الله! أله خاصة أم للناس كافة؟ قال: بل للناس كافة)].

أي: هذا الحكم الذي نزلت الآية من أجله وبسببه ليس خاصاً بهذا الذي حصل منه السبب، وإنما هو عام، ولهذا فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالحكم وإن كان سببه قصة معينة فإنه تشريع للأمة، ولا يختص الحكم بأحد إلا إذا جاء ما يدل على اختصاصه به، مثل خزيمة بن ثابت الذي شهادته تعدل شهادة رجلين، وكذلك الذي ضحى قبل الصلاة ثم رخص له بالعناق وقال: (إنها لن تجزي عن أحد بعدك)، فإذا جاء شيء يدل على تخصيصه دل على تخصيصه، وإلا فإن الأصل هو تعميم الحكم للأمة، ولهذا فإن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد هو خطاب للأمة كلها، ولا يختص به الحكم إلا إذا وجد ما يدل على الاختصاص.

<<  <  ج:
ص:  >  >>