[إرشاد النبي لأمته إلى اتباع السنة واجتناب البدعة عند ظهور الاختلاف]
قوله: [(فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ)]، وهذا هو الذي رغب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو اتباع سنته وسنة خلفائه الراشدين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهذا يدل على أن طريق العصمة والسلامة والنجاة عند هذا الاختلاف أن يكون الإنسان على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، والخلفاء الراشدون هم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، والحديث يدل على فضل هؤلاء الخلفاء رضي الله عنهم، وعلى فضل خلافتهم، حيث وصفها بأنها راشدة، فهؤلاء الخلفاء راشدون ومهديون، أي: أنهم على هدى ورشاد، وخلافتهم خلافة نبوة، كما جاء في حديث سفينة مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام رفعه:(خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، فخلافتهم خلافة نبوة.
وفي قوله:(وعضوا عليها بالنواجذ) كناية عن شدة التمسك والأخذ بها، وعدم التهاون والتفريط بشيء منها، فعلى الإنسان أن يعول على السنن، وأن يحرص عليها كما يحرص على الشيء الذي يعض عليه بالنواجذ.
ثم إنه بعد أن رغب في السنن حذر من البدع، فقال:(وإياكم ومحدثات الأمور)، وهي البدع التي تحدث في دين الله وليست منه، وقد تقدم في حديث عائشة (من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد) أي: فهو مردود عليه، فقوله:(إياكم ومحدثات الأمور) أي: احذروها وابتعدوا عنها ولا تأخذوا بها، واكتفوا واقتصروا على ما جاء في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه صحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
قوله: [(فإن كل محدثة بدعة)] أي: كل محدثة في دين الله بدعة، (وكل بدعة ضلالة)، وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فالبدع المحدثة في دين الله كلها ضلالة، فهذا حكم عام يشمل كل ما أحدث في الدين، فهي كلها ضد الهدى، والهدى إنما هو في الكتاب والسنة، وما جاء عن سلف هذه الأمة وهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال:(كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة).
فاللفظ عام باق على عمومه فلا يستثنى منه شيء، فكل البدع ضلالة، فلا يقال: إن هناك بدعة حسنة؛ لأنه يصادم قول الرسول صلى الله عليه وسلم:(فإن كل بدعة ضلالة)، وقد تجد بعض المبتدعة، وبعض من يسهل عليهم الأخذ بالبدع، أو التهاون بشأنها يقولون: هذه بدع حسنة!! أما ما جاء في الحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها) فهو ليس من هذا القبيل، وإنما المقصود به: أن يحيي سنة قد أميتت، فمثلاً أن يأتي إلى بلد لا توجد فيه تلك السنة بل قد أهملت وأميتت فيحييها، فيكون بذلك محيياً لها لا محدثاً، أو يحمل على ما جاء في سبب الحديث، وهو: أن جماعة من مضر جاءوا وعليهم البؤس والفاقة وشدة الحاجة، ووجوههم شاحبة، وثيابهم بالية، والرسول صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:١٢٨]، فتأثر صلوات الله وسلامه عليه، فجمع الناس وحثهم على الصدقة والإحسان إلى هؤلاء، فجاء رجل من الأنصار معه صرة يكاد يعجز عن حملها فوضعها، وتتابع الناس وراءه، فعند ذلك قال عليه السلام:(من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها).