للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نقل كلام الحافظ ابن حجر في الكلام على الصفات]

فائدة: قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: أخرج أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر.

ومن طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سئل: كيف استوى على العرش؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، وعلى الله الرسالة، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم.

وأخرج البيهقي بسند جيد عن الأوزاعي أنه قال: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله على عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته.

وأخرج الثعلبي من وجه آخر عن الأوزاعي أنه سئل عن قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤] فقال: هو كما وصف نفسه.

وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب قال: كنا عند مالك فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، كيف استوى؟ فأطرق مالك فأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه، فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، كما وصف به نفسه، ولا يقال: كيف؟ وكيف عنه مرفوع، وما أراك إلا صاحب بدعة، أخرجوه! وفي رواية عن مالك: والإقرار به واجب، والسؤال عنه بدعة.

وأخرج البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي قال: كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يحددون ولا يشبهون، ويروون هذه الأحاديث ولا يقولون: كيف؟ قال أبو داود: وهو قولنا، قال البيهقي: وعلى هذا مضى أكابرنا.

وأسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني أنه قال: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صفة الرب من غير تشبيه ولا تفصيل، فمن فسر شيئاً منها وقال بقول جهم فقد خرج عما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه وفارق الجماعة؛ لأنه وصف الرب بصفة لا شيء.

هذا هو تفسير الجهمية الذي نتيجته وصف الله بأنه لا شيء، ومعناه أن النهاية أن يقال: إنه لا وجود للذات، لأن الصفات قد نفيت عنها.

فالتفسير الذي ذمه محمد بن الحسن هو تفسير الجهمية، وليس بيان المعنى وتوضيح المعنى.

قال: ومن طريق الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي ومالكاً والثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفة، فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف.

وأخرج ابن أبي حاتم عن الشافعي أنه يقول: لله أسماء وصفات لا يسع أحداً ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل، فنثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].

وأسند البيهقي عن أبي بكر الضبعي أنه قال: مذهب أهل السنة في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] قال: بلا كيف.

والآثار فيه عن السلف كثيرة، وهذه طريقة الشافعي وأحمد بن حنبل.

وقال الترمذي في الجامع عقب حديث أبي هريرة في النزول: وهو على العرش كما وصف به نفسه في كتابه، كذا قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات.

وقال في باب فضل الصدقة: تثبت هذه الروايات ونؤمن بها ولا نتوهم ولا يقال: كيف؟ كذا جاء عن مالك وابن عيينة وابن المبارك أنهم قالوا: أمروها بلا كيف، وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكروها وقالوا: هذا تشبيه! وقال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه لو قيل: يد كيد، وسمع كسمع.

وقال في تفسير المائدة: قال الأئمة نؤمن بهذه الأحاديث من غير تفسير، منهم الثوري ومالك وابن عيينة وابن المبارك.

وقال ابن عبد البر: أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة، ولم يكيفوا شيئاً منها، وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فقالوا: من أقر بها فهو مشبه.

وقال إمام الحرمين: اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر، فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الله تعالى.

هذه العبارة المنقولة عن إمام الحرمين في تفويض المعاني إلى الله غير صحيحة، بل المعاني معلومة، ومعلوم أن السمع غير البصر، والبصر غير الاستواء، والاستواء غير الكلام، وكل هذه المعاني فهمها الصحابة؛ لأنهم خوطبوا بالقرآن وهو بلغتهم، ولم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن تلك المعاني لأنهم قد فهموها، فلا يفوض المعنى ولكن يفوض الكيف.

قال إمام الحرمين: والذي نرتضيه رأياً وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة؛ للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة، فلو كان تأويل هذه الظواهر حتماً لأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عهد الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع.

انتهى.

وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث، وهم فقهاء الأمصار كـ الثوري والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم، وكذا من أخذ عنهم من الأئمة، فكيف لا يوثق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة؟! انتهى كلام الحافظ رحمه الله.

وهذا الكلام الأخير الذي ذكره الحافظ بعد كلام إمام الحرمين كلام عظيم جميل لو سلم من الأمور الأخرى التي جاءت في الفتح من ذكر أمور غير واضحة تدل على أنه ليس ثابتاً على عقيدة مستقرة فيما يتعلق بالأسماء والصفات.

<<  <  ج:
ص:  >  >>