للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب هل يرث المسلم الكفار حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم)].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب هل يرث المسلم الكفار] هذه الترجمة معقودة في بيان التوارث بين المسلمين والكفار، هل يكون أو لا يكون؟ وقد اختلف العلماء في هذه المسألة: فمنهم من قال: إن الكافر لا يرث المسلم والمسلم يرث الكافر.

ومنهم من قال: لا توارث بين المسلمين والكفار، فالمسلم لا يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم.

وجمهور العلماء على القول بعدم التوارث بين المسلمين والكفار، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المتفق على صحته من حديث أسامة بن زيد: (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم).

والقول الثاني: إن المسلم يرث الكافر دون العكس، ويستدلون على ذلك بالقياس على نكاح الكتابيات، فنحن ننكح نساءهم وهم لا ينكحون نساءنا، فإذاً نحن نرث منهم ولا يرثون منا، وكذلك في الحديث: (الإسلام يعلو ولا يعلى)، وكذلك: (الإسلام يزيد ولا ينقص).

والصحيح: أنه لا توارث بين المسلمين والكفار؛ للحديث الصحيح المتفق عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما ما استدل به القائلون بالتوارث فيجاب عنه: بأن القياس لا يعتبر مع النص، إذ لا قياس مع النص، فالنص صريح في أن المسلم لا يرث الكافر، فإذاً لا يجوز أن يقاس كون المسلم يرث الكافر على كون المسلمين يتزوجون الكتابيات دون العكس، فالقياس فاسد؛ لأنه مخالف للنص.

وأما قوله: (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)، فإن هذا لفظ عام، والحديث الذي منع من ذلك خاص، ثم يحمل حديث: (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)، على معنى: أن الغلبة والعلو للإسلام، كما قال الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:٣٣]، وكون الإسلام يزيد، يعني: بالدخول فيه، ولا ينقص بالارتداد عنه، وكذلك يزيد بفتح البلاد واتساع رقعة البلاد الإسلامية، وذلك بالجهاد في سبيل الله، فهذا من الزيادة والعلو، ومنه قول الله عز وجل: {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الأنبياء:٤٤]، أي أن المسلمين يأخذون بلاد الكفار ويستولون عليها شيئاً فشيئاً فتنقص بلاد الكفار وتزيد بلاد المسلمين، والغلبة للإسلام وأهله، ولهذا قال: ((أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ))، وإنما الغلبة للإسلام وأهل الإسلام حيث فتحوا البلاد، وأخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، واتسعت بلاد المسلمين، وانحسرت بلاد الكفار، وهذا هو أحسن ما قيل في معنى الآية: {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الأنبياء:٤٤]، وعلى هذا فالقول الصحيح: أن المسلم لا يرث الكافر، كما أن الكافر لا يرث المسلم.

وقوله: (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم)، هل الكفار يتوارثون على اعتبار أنهم ملل شتى أو أنهم ملة واحدة؟ وسيأتي الحديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي يتعلق بالترجمة هو كون المسلمين لا يرثون الكفار، وهذا هو القول الصحيح الذي دل عليه حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه الذي أورده المصنف: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم).

<<  <  ج:
ص:  >  >>