للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (يمينك على ما يصدقك عليها صاحبك)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المعاريض في اليمين.

حدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم (ح) وحدثنا مسدد حدثنا هشيم عن عباد بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يمينك على ما يصدقك عليها صاحبك)].

قوله: [باب المعاريض في اليمين]، المقصود بالمعاريض: أن يذكر الإنسان شيئاً مورياً به، فهو يريد شيئاً وغيره يريد شيئاً آخر، بمعنى: أنه يريد أن يفهم منه صاحبه شيئاً أو يريد شيئاً وهو يريد شيئاً آخر، فهذا يقال له: معاريض، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه وعن عمران بن حصين: (إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب)، ولكن المعاريض لا تستعمل إلا عند الحاجة إليها.

أما إذا كان الإنسان الذي استحلف صاحب حق، أو استحلفه القاضي، فليس له استعمال المعاريض، وإنما تستعمل المعاريض في أمر هناك داعٍ إليه، كأن يكون مظلوماً، أو مكرهاً على شيء، أما إذا كان الذي استحلفه صاحب حق فليس الأمر كذلك، بل الأمر كما جاء في هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن أبي هريرة: (يمينك على ما يصدق عليها صاحبك) أي: أن اليمين على نية المستحلف، وقد جاء في بعض الروايات: (اليمين على نية المستحلف) فليس هو على ما يريد أو على ما يعرض به أو يذكره الحالف من المعاريض، وإنما هو على نية المستحلف.

فإذا كان مظلوماًَ، أو كان في أمر لا يلزمه فله أن يعرض حتى يسلم، فيكون صادقاً فيما يقول على حسب الظاهر، والمستحلف يفهم شيئاً آخر غير الذي يريده الحالف.

والمعاريض تكون في الحلف وفي غير الحلف، وقد جاء في أحاديث عديدة فيها ذكر المعاريض أو التعريض، ومن ذلك قصة أم سليم مع أبي سليم لما جاء وكان ولده مريضاً وقد مات الولد، فسألها عنه فلم تخبره بأنه مات، ولكنها أتت بعبارات هي أرادت شيئاً وهو فهم شيئاً آخر، فقالت: إنه أسكن ما كان وقد استراح.

ففهم أنه في حالة جيدة وأنه هادئ مستريح في النوم، وهي تريد أنه هدأت نفسه واستراح وانتهى من هذه الدنيا، فقد كانت تريد شيئاً وهو فهم شيئاً آخر، فهذا يقال له: تعريض، ولهذا أكل معها وجامعها واطمأن معها، ولم تقل له: إنه قد مات حتى لا يتأثر ويتألم.

ويأتي في بعض الأحاديث وفي كلام بعض أهل العلم ذكر المعاريض، فهذا من هذا القبيل، وقد ذكر أبو داود في آخر الباب حديثاً فيه ذكر المعاريض، وهو أن سويد بن غفلة قال عن وائل بن حجر: إنه أخوه، والمخاطب كان يفهم أنه أخوه من النسب، وهو يريد أخوته في الإسلام، فهذا يقال له معاريض.

ومنه أيضاً ما حصل من إبراهيم الخليل في الكذبات الثلاث التي قال: إنها كذبات، وهي في الحقيقة معاريض؛ لأنه قال عن زوجته: إنها أختي، وقال: إنه ليس هناك مسلم إلا أنا وأنتِ، ولذا قال للجبار: إنها أخته، وهي ليست أخته من النسب، ولكنها أخته في الإسلام، فهذا من قبيل المعاريض.

وقوله: (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) أي: على نية المستحلف، فإذا أمره القاضي أن يحلف فعليه أن يحلف بدون تعريض، ولكنه إذا كان مظلوماً، أو كان في أمر فيه مضرة عليه وليس المستحلف محقاً فله أن يعرض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب كما جاء ذلك عن عمر بن الخطاب وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما.

<<  <  ج:
ص:  >  >>