للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (أن رسول الله نهى عن الوصال)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الوصال.

حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟! قال: إني لست كهيئتكم؛ إني أطعم وأسقى)].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان باب في الوصال أي: في حكمه، والوصال هو: أن يصل الصائم الليل بالنهار فيصوم اليومين لا يأكل بينهما شيئاً، هذا هو الوصال، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وكان يواصل عليه الصلاة والسلام.

أورد أبو داود حديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل.

قال: إني لست كهيئتكم؛ إني أطعم وأسقى).

فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يواصل، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يواصلون اقتداءً به، فنهاهم عن الوصال، ولما نهاهم عن شيء هو يفعله صلى الله عليه وسلم ذكّروه بفعله وأنهم إنما يفعلون ذلك اقتداءً به صلى الله عليه وسلم، فقال: (إني لست كهيئتكم) أي: هناك فرق بيني وبينكم وهو أني أطعم وأسقى.

وفسر كونه يطعم ويسقى بتفسيرين: أحدهما: أن يكون على حقيقته، وأنه يطعم ويسقى حقيقة، ولكنه ليس كالذي يحصل في الدنيا من كونه يأكل ويشرب وهو صائم، ولكنه كما جاء في بعض الأحاديث: (أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) يعني: يحصل له شيء في النوم فيحصل له ذلك حقيقة.

وقيل: إن المقصود من ذلك أنه يعطى قوة الآكل والشارب وكأنه لم يترك الأكل والشرب لما أعطاه الله عز وجل من القوة، فيكون هذا هو الفرق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونهيه إياهم عن الوصال هو من شفقته عليهم صلى الله عليه وسلم، وهو كما وصفه الله عز وجل في كتابه العزيز: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨].

وقد جاء في بعض الروايات: أنه لما رآهم راغبين بأن يفعلوا كما فعل وقد بين لهم الفرق بينه وبينهم واصل بهم في آخر الشهر وقال: (لو تأخر الهلال لزدتكم كالمنكل لهم) يعني: يريد أن يوقفهم بالفعل على ما يلحقهم من الضرر بسبب الوصال، وكون النبي صلى الله عليه وسلم يواصل هو ليس كمثلهم؛ لأن له ميزة عليهم، وهي أنه يطعم ويسقى صلى الله عليه وسلم، فيكون وصاله بهم بعد أن ألحوا بأن يفعلوا كما فعل صلى الله عليه وسلم تنكيلاً لهم؛ فإنه واصل بهم وقال: (لو تأخر الشهر لزدتكم كالمنكل لهم) يعني: أنه فعل هذا تنكيلاً بهم، وهذا يشبه ما يحصل في المشاهدة من أنه إذا كان الطفل يريد أنه يأتي إلى ويحاول أن يقع فيها فيأخذ وليه بطرف إصبعه ويلمسه شيئاً حاراً حتى يقف على الضرر، وحتى يعرف الضرر فيتركه ويبتعد عنه، فجاء النهي عن الوصال، ولكنه جاء ما يدل على جوازه إلى السحر، كما جاء في صحيح البخاري وفي غيره وكذلك سيأتي عند أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام قال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر) يعني: يوماً وليلة فقط من طلوع الفجر إلى أن يأتي وقت السحر، بحيث يتسحر فيصوم الليل والنهار، مع أن ترك الوصال هو الأولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل) ومعنى هذا: أن الترك هو الأولى، بل قد جاءت السنة بالترغيب في تأخير السحور وتعجيل الفطر وذلك للإبقاء عليهم، وفي ذلك الشفقة عليهم والرأفة بهم والرحمة بهم من الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>