شرح حديث (صليت مع رسول الله الظهر بالمدينة أربعاً)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا زهير بن حرب حدثنا ابن عيينة عن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة سمعا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً والعصر بذي الحليفة ركعتين)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وأنه صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة في مسجده صلى الله عليه وسلم أربعاً، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين؛ لأنه مسافر إلى مكة في حجة الوداع، صلى في هذا المسجد أربع ركعات الظهر، ومشى بعد الظهر فصلى العصر بذي الحليفة ركعتين قصراً، فهذا يدلنا على أن البدء بالقصر إنما يكون عند الخروج من البلد، فيبدأ المسافر بالأخذ برخص السفر، ومادام في البلد فإنه لا يترخص؛ لأنه لا يقال له: مسافر حتى يخرج من البلد.
وكون الرسول صلى الله عليه وسلم قصر بذي الحليفة -وهي خارج المدينة- يدلنا على أن القصر إنما يكون إذا فارق الإنسان بلده الذي هو فيه وبدأ بالسفر، فإنه بذلك يحصل له الأخذ بأحكام السفر كالقصر والجمع والفطر وما يتعلق بذلك.
وإذا وصل العمران إلى ذي الحليفة فإنها تكون من المدينة فلا يقصر بها وإنما يقصر بعدما يتجاوز الإنسان العمران كله، فإذا وصل البنيان واتصل إلى منطقة ذي الحليفة صارت ذو الحليفة من المدينة، ومن المعلوم أن المدينة غير الحرم، فالحرم لا يزيد والمدينة يمكن أن تزيد، فالحرم محدد ومقدر وهو لا يزيد، وأما المدينة فيمكن أن تزيد وتخرج عن الحرم ويصير جزء منها خارج الحرم، فإذا وصل البنيان إلى أبيار علي وإلى ذي الحليفة فلا يجوز القصر بها، بل إذا تجاوز البنيان كله.