[أثر ابن عباس (إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن عمرو -يعني: ابن أبي عمرو - عن عكرمة: أن نفراً من أهل العراق قالوا: يا ابن عباس! كيف ترى في هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا ولا يعمل بها أحد؟ قول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ}[النور:٥٨] قرأ القعنبي إلى: {عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[النور:٥٨].
قال ابن عباس: إن الله حليم رحيم بالمؤمنين، يحب الستر، وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجال، فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل والرجل على أهله، فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالستور والخير، فلم أر أحداً يعمل بذلك بعد].
وهذا يبين الذي جعلهم لا يعملون؛ لأنه قبل ذلك لم يكن هناك ستور ولا أماكن يكون فيها التحرز والاختفاء، فلما جاءهم الله بالخير واتخذوا الستور، وصار هناك حجاب يوضع ولا يتجاوز لم يكونوا يعملون بالآية؛ لأن الذي يحذر قد أمن، فصار الرجل لا يمكن الوصول إليه من وراء الستر، ومع ذلك فإذا سلم أو استأذن حتى يعرف وينتبه له لا شك أن هذا هو الأولى.
ثم أيضاً الآية هي خاصة بملك اليمين الذين هم في خدمة الإنسان، وكذلك الأولاد الذين لم يبلغوا الحلم، وهذه الآية هي الدليل على أن الصبيان مأمورون؛ لأنه قال:{لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ}[النور:٥٨] فهذا أمر للصبيان، فهي الدليل الذي فيه التنصيص على حصول الأمر للصبيان، وإلا فإن الروايات والأحاديث الأخرى الدالة على أمر الصبيان هي موجهة لآبائهم: مروا أبناءكم، وكذلك: مره فليراجعها، والآباء مأمورون بأمر الصبيان بالصلاة وهم أبناء سبع، لأنهم الذين يتولون تأديبهم، ويتولون الإشراف عليهم، لكن هذه الآية الأمر فيها للصبيان مباشرة؛ لأنه قال:{لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ}[النور:٥٨].