للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (إنما يلبس هذه من لا خلاق له) في حلة سيراء]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في لبس الحرير.

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر (أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء عند باب المسجد تباع فقال: يا رسول الله! لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك.

فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة.

ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة فقال عمر: يا رسول الله! كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أكسكها لتلبسها.

فكساها عمر بن الخطاب أخاً له مشركاً بمكة)].

أورد أبو داود [باب ما جاء في لبس الحرير] يعني: في تحريمه وعدم جواز لبسه، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في تحريم الحرير على الرجال وإباحة لبسه للنساء، كما أن الذهب حرام على الرجال حلال للنساء، وكما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أخرج ذهباً وحريراً وقال: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها).

أورد أبو داود حديث عمر رضي الله عنه أنه رأى حلة سيراء -يعني: من نوع الحرير- تباع عند باب المسجد، فاقترح عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتريها ليتجمل بها يوم الجمعة وللوفود.

وهذا يدلنا على استحباب التجمل للجمعة، ولبس أحسن الثياب لها، وكذلك أيضاً عند استقبال الوفود يكون الإنسان على أحسن هيئة، فهو لما سأل أقره على السبب والشيء الذي اقترح من أجله؛ ولكنه بين أن هذا النوع لا يجوز لبسه وأن من يلبسه لا خلاق له يوم القيامة.

يعني: الكفار، كما جاء في حديث الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة، قال: (هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة) يعني: أنهم يتعجلون طيباتهم في هذه الحياة الدنيا، وأن ما يحصل لهم من الشيء الجميل والشيء النفيس هو نصيبهم، وفي الآخرة ليس لهم إلا النار والعياذ بالله، وأما المسلمون الذين يتقيدون بأحكام الشرع ويتركون ما حرم الله فإنهم يحصل لهم هذا الذي تركوه من أجل الله في الدار الآخرة، فيلبسون الذهب والحلي في الدار الآخرة لأنهم تركوها في الدنيا، فعوضهم الله عنه بأن أكرمهم بالتمتع به في الآخرة، والكفار بعكس ذلك لأنهم تعجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا وليس لهم في الآخرة إلا النار، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يلبسه من لا خلاق له).

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بحلل من هذا القبيل فأعطى عمر حلة منها، فجاء عمر مستفسراً قال: (كسوتنيها) أي أنه أعطاه؛ لأن الإنسان إذا أعطى الكسوة فمعناه أنه كساه، وليس بلازم أن يلبسه إياها، كما جاء في الحديث: (كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم) يعني: أرزقكم وأعطكم وأتفضل عليكم بإعطاء الكسوة، فهنا الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى عمر حلة من هذه الحلل فهو عندما أعطاه إياها رجع إلى الكلام السابق الذي جرى بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه قال: إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة.

قال: يا رسول الله! كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد -يعني: الرجل الذي كان يبيع تلك الحلة- ما قلت، أي أنه إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة.

قال: (ما كسوتكها لتلبسها) يعني: ما أعطيتك إياها لتلبسها وإنما ملكتكها، والإنسان من الممكن أن يستعملها للنساء؛ لأنه يجوز لهن لبس الحرير، وهنا عمر رضي الله عنه أهداها أخاً له مشركاً بمكة، وقيل: إن هذا أخ له من الرضاعة، ولعل عمر رضي الله عنه أعطاها إياه لأنه كافر والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يلبس هذا من خلاق له في الآخرة) والكفار هم الذين لا خلاق لهم في الآخرة، وهذا إذا مات وهو على الكفر، وأما من تمتع بما هو محرم في هذه الحياة الدنيا، ثم هداه الله عز وجل إلى الإسلام فالإسلام يجب ما قبله من الشرك وغيره، والعلماء اختلفوا في مخاطبة الكفار بفروع الشريعة على قولين: منهم من قال: إنهم مخاطبون، وهذا هو الأرجح، وفائدة كونهم مخاطبين أنهم يعاقبون على ترك الأصول وعلى ترك الفروع، فيعاقبون على الشرك وعلى غيره، ومعلوم أن الكفار يتفاوتون في الضرر وفي العقوبة، والنار دركات بعضها أسفل من بعض، كما أن الجنة درجات بعضها فوق بعض، والذي يكون كافراً ولا يصد عن سبيل الله أهون من الذي يأتي وهو كافر ويصد عن سبيل الله، والذي هو كافر شديد الإيذاء للمسلمين وأعظم عذاباً.

والقول الآخر: أنهم غير مخاطبين بالفروع، بل هم مخاطبون بالأصول فإذا أسلموا خوطبوا بالفروع.

لكن الذين يقولون إنهم مخاطبون يقولون: إنهم مخاطبون بالأصول والفروع، والفائدة في خطابهم إن كانت الفروع لا تقبل منهم أنهم يعاقبون على الأصول وعلى الفروع، ويكون الذي حصل منه شيء أكثر من الشرك كأن يكون عنده إيذاء وصد عن سبيل الله وفعل أمور منكرة وأمور محرمة يكون أشد من الكافر الذي بخلاف ذلك.

ولعل عمر رضي الله عنه رأى أنهم غير مخاطبين.

قوله: [(أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء عند باب المسجد تباع)].

هذا دليل على جواز البيع أمام أبواب المساجد.

[(فقال: يا رسول الله! لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك.

فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)].

الخلاق هو: الحظ والنصيب.

[(ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل)].

(منها) يعني: من هذا النوع.

[(فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة فقال عمر: يا رسول الله! كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت)].

الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه، وعبر عن ذلك بـ (كسوتني) والمعنى: أعطى الكسوة، وليس المقصود أنه يلبسه.

[(حلة عطارد)].

الظاهر أنها التي كانت تباع عند باب المسجد، وصاحبها الذي يبيعها اسمه: عطارد.

[(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أكسكها لتلبسها.

فكساها عمر بن الخطاب أخاً له مشركاً بمكة)].

أعطاها إياه، وقد يلبسها وقد يبيعها ويستفيد من ثمنها.

أما مسألة هل يجوز بيع ما هو حرام عندنا لهم؟ ف

الجواب

معلوم أنه إذا استعمل فيمن يسوغ له، بأن يكون حلالاً عندنا وعندهم، كما لو أعطاها هذا الكافر امرأته لما كان في ذلك شيء، كما أن عمر لو أعطاها أمرأته لحصل أنها صرفت فيمن هو أهل لها، وكونه أعطاها أخاه قد يلبسها وقد لا يلبسها، وقد يبيعها ويستفيد من ثمنها، والذي يشتريها قد يلبسها ويفعل أمراً محرماً سواء كان مسلماً أو كافراً، وقد يعطيها لمن هو أهل لأن يلبسها كالنساء.

أما بالنسبة للتلفاز يباع لكافر.

فالإنسان ليس له أن يستعمل مثل هذه السلعة التي فيها ضرر، وفيها خير وفيها شر، عندما يختار الإنسان ويريد أن يستعمل بضاعة ليستفيد منها فليختر شيئاً لا إشكال فيه ولا محذور.

<<  <  ج:
ص:  >  >>