[عقيدة أهل السنة في الصحابة رضي الله عنهم]
ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري كلمة جيدة عن عمرو بن مرزوق قالها لبعض الخوارج فقال: وقال عمرو بن مرزوق لرجل من الخوارج: ما أرى الله إلا مخزيك؛ لأنك شتمت واحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: أن واحداً من الخوارج سب واحداً من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فقال له عمرو بن مرزوق: ما أرى الله إلا مخزيك.
يعني: أن الذي يتوقع أن يحصل لك وأن يحل بك من العقوبة أن الله تعالى يخزيك؛ لأنك شتمت واحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يبين لنا أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يجب أن تكون الألسنة والقلوب نظيفة في حقهم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية: ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالقلوب لابد أن تكون سليمة من الغيظ والحقد والضغينة لهم، والألسنة تكون سليمة ونظيفة من أن تتكلم فيهم بما لا ينبغي، والله عز وجل يقول بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:١٠]، وهذا فيه سلامة اللسان؛ لأن قولهم: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ) دعاء لهم، فاللسان يستغفر لهم، ثم قال: ((وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا))، وهذا فيه طلب سلامة القلب، وأن يسلم الله القلوب من أن يكون فيها شيء لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠].
فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم يجب احترامهم وتوقيرهم واعتقاد أنهم خير الناس؛ لشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بقوله: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فهذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير الأمم، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم خير هذه الأمة، فهم أفضل من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته على رسله ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
فالواجب هو البعد عن نيلهم والكلام فيهم بما لا ينبغي، وعلى هذا أجمع أهل السنة والجماعة؛ لأن الله تعالى عدلهم وعدلهم رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاجون بعد تعديل الله ورسوله إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين، ولا يعني التعديل أنهم معصومون؛ فإن العصمة ليست إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والصحابة يخطئون ويصيبون وليسوا بمعصومين، ولكن من حيث العدالة هم عدول، ولهذا فإن المجهول فيهم بحكم المعلوم، ولهذا نجد أن الذين يؤلفون في الرجال وبيان أحوالهم عندما يكون الشخص من الصحابة يكتفون بأن يقولوا: صحابي، أو يذكرون شيئاً من ميزاته التي هي زائدة على الصحبة، كأن يكون شهد بدراً أو الحديبية، أو أنه من السابقين الأولين، أو أن عنده صفة زائدة على الصحبة فينصون عليها، وأما غيرهم فإنهم يحتاج إلى معرفة أشخاصهم وأعيانهم وأحوالهم.
ولهذا قال الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية: إن الذي عليه العلماء: أنه ما من رجل من رجال الإسناد إلا ويحتاج إلى معرفته إلا الصحابة.
ولهذا درج العلماء على الاكتفاء بذكر أن الرجل من الصحابة ولو كان مبهماً غير مسمى ما دام أنه أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا قيل: عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحتاج أن يقال: من هو هذا الرجل؟ وهذا الرجل مبهم لا يحتاج إلى معرفة عينه، ولأنه صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم فهو من العدول الذين يعول على حديثهم.
لكن لا يعني هذا أنهم معصومون؛ لأن العصمة إنما هي للأنبياء، ولكن من حيث البحث عن أحوالهم، وهل أحدهم ثقة أو ليس بثقة؟ لا يبحث، ولهذا يأتي في بعض التراجم أن الشخص يقال فيه: قيل: إنه صحابي، وقيل: إنه تابعي، فقولهم: قيل: إنه صحابي، معناه: أنه يكفي أن يقال: إنه صحابي، وإذا قيل: ليس بصحابي بل هو ثقة، فمعناه: أنه بناه على أنه تابعي يذكر حاله، فالذي يذكر أنه ليس بصحابي يتكلم في حاله، والذي يعرف أنه صحابي يكفي في شرفه وبيان منزلته أنه صحابي.
ولهذا لا ينظر إلى من يقلل من شأن الصحابة، أو تحدثه نفسه أن يتكلم في الصحابة، أو ينال من الصحابة فيما يتعلق ببيان أحوالهم وما كانوا عليه، أو البحث عن عيوبهم ومثالبهم وما إلى ذلك؛ فإن هذا لا يليق بالمسلم الناصح لنفسه.
ويذكر عن بعض المخذولين أنه قال: إن الصحابة يجب أن يكونوا مثل غيرهم تحت المجهر! يعني: أنهم يعاملون معاملة غيرهم، وأن يفتش عنهم ويذكر كل شيء قيل عنهم كما يقال في حق غيرهم، وأن يبحث عنهم، وهل هم ثقات أو ليسوا بثقات؟ وما إلى ذلك، وهذه ليست طريقة أهل السنة والجماعة، بل هذه طريقة مخالفة لأهل السنة والجماعة، فأهل السنة والجماعة يكفي عندهم أن يعرف أن الواحد صحابي، ولا يزيدون على ذلك شيئاً إلا أن يضيفوا بيان منزلته وعظيم قدره، وأن له منزلة جاء فيها نص إما لكونه مشهوداً له بالجنة، أو لكونه شهد بدراً أو الحديبية، أو من السابقين الأولين أو من المهاجرين أو كذا أو كذا إلى آخره.
أما أن يتكلم فيهم فهذا لا يليق بالمسلم الناصح لنفسه، كما ذكرت عن شيخ الإسلام أنه قال: ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأبو زرعة الرازي من علماء القرن الثالث الهجري روى عنه الخطيب البغدادي بإسناده في كتابه الكفاية أنه قال: إذا رأيتم أحداً ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق، وذلك أن الكتاب حق والرسول حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء -أي: الذين يريدون أن يتكلموا في الصحابة- إنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة.
يعني: أن القدح في الناقل قدح في المنقول؛ لأن الصحابة إذا قدح فيهم فماذا يبقى عند من قدح فيهم؟! وإذا كان الصحابة ليسوا عدولاً والكتاب ما جاء إلا عن طريقهم، والسنة كذلك، فليس بأيدي من سبوا الصحابة إلا الخذلان، وليس بأيديهم شيئاً من الحق؛ لأن الحق جاء عن طريق الصحابة، وإذا قدح في الناقل فهو قدح في المنقول.
ولهذا يقول أبو زرعة: وإنما يريد هؤلاء أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، يعني: أن النتيجة التي تترتب على القدح في الصحابة هي إبطال الكتاب والسنة؛ لأن القدح في الناقل قدح في المنقول.
فمنهج أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه يجب احترامهم وتوقيرهم، واعتقاد أنهم خير الناس، وأنه ما كان مثلهم قبلهم ولا يكون بعدهم مثلهم، وهم خير من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته على رسله ورضي الله عن الصحابة أجمعين.
فـ عمرو بن مرزوق الذي في هذا الإسناد هو الذي نقل عنه الحافظ ابن حجر هذه الجملة في مخاطبة ذلك الخارجي الذي سب واحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له عمرو بن مرزوق: ما أرى الله إلا مخزيك.
يعني: توقع العقوبة من الله وتوقع الخزي الذي يحل بك؛ لأنك سببت واحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
[أخبرنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا لقب رفيع من أعلى صيغ التعديل والتوثيق، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مدلس، ولكن المعروف عند المحدثين أن شعبة إذا روى عن مدلس فقد أمن تدليسه؛ لأن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالسماع، وإلا ما أمن تدليسهم فيه.
وهنا شعبة هو الذي يروي عن قتادة، وقتادة مدلس.
وهذا من القواعد التي ذكرها العلماء في معرفة السلامة من تدليس المدلس، وأنه إذا روى شعبة عن مدلس فإن تدليسه مأمون؛ لأنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالسماع، وقتادة بن دعامة السدوسي البصري أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن النضر بن أنس].
هو النضر بن أنس بن مالك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن أرقم].
زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.