للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث أبي هريرة في نزول عيسى آخر الزمان، وفيه: (ويهلك المسيح الدجال)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس بيني وبينه نبي -يعني: عيسى عليه السلام-، وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، بين ممصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون)].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (ليس بينه وبينه نبي)، يعني: بينه وبين عيسى بن مريم نبي، فنبينا عليه الصلاة والسلام هو الذي يلي عيسى، وليس بينه وبينه نبي، وقد رفع إلى السماء وسينزل في آخر الزمان كما صحت بذلك الأحاديث، ويحكم بشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يحكم بالإنجيل الذي أنزل عليه؛ لأن الشرائع كلها نسخت برسالته عليه الصلاة والسلام، وختمت بشريعته، فليس لها اعتبار ولا عليها عمل، فالعمل كله يكون بما جاء في شريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وعيسى إذا نزل في آخر الزمان فإنه ينزل متبعاً لنبينا عليه الصلاة والسلام، حاكماً بشريعته، فهو لا ينزل فيحكم بشرع غير شرع نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فهذا لا ينافي أن نبينا هو آخر الأنبياء؛ لأن نزول عيسى ليس مبعوثاً ولا نازلاً بشريعة جديدة، وإنما حاكماً بشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

قوله: [(ليس بيني وبينه نبي -يعني: عيسى- وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه)].

قوله: (وإنه نازل) يعني: من السماء في آخر الزمان، (فإذا رأيتموه فاعرفوه)، يعني: بهذه الأوصاف التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام.

قوله: [(رجل مربوع إلى الحمرة والبياض)].

يعني: ربعة من الرجال، فليس بالطويل ولا بالقصير، أي: أنه كنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فوصفه أنه ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وإنما هو ربعة من الرجال، فكذلك عيسى عليه الصلاة والسلام مربوع ليس بالطويل ولا بالقصير.

قوله: [(إلى الحمرة والبياض)].

يعني: أن لونه بياض مشرب بحمرة.

قوله: [(بين ممصرتين)].

يعني: ثياباً صفراً ليست صفرتها شديدة.

قوله: [(كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل)].

يعني: يكاد يقطر بدون بلل؛ وذلك لنظافته ووضاءته عليه الصلاة والسلام.

قوله: [(فيقاتل الناس على الإسلام)].

أي: لا يقبل منهم إلا الإسلام، فلا يقبل الجزية، ولهذا فإنه يضع الجزية كما جاء في بعض الأحاديث ولا يقبلها، ولا يقبل إلا الإسلام.

قوله: [(فيدق الصليب)].

أي: يكسره.

قوله: [(ويقتل الخنزير، ويضع الجزية)].

أي: فلا يقبلها من أحد، ولا يقبل إلا الإسلام.

قوله: [(ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام)].

وليس معنى ذلك أن الكفر قد انتهى من الأرض، وأن الكفار قد هلكوا، لا بل الكفار موجودون، ولهذا من آمن عند طلوع الشمس من مغربها فلا ينفعه إيمانه، وهذا يعني أن الكفار موجودون، ولكن معنى ذلك أن الغلبة والعزة والقوة ستكون للإسلام، وأما أولئك فمقهورون مغلوبون، وليس معنى ذلك أن الأرض قد خلت من كل كافر وأنه لم يبق إلا الإسلام، فالهلاك ليس هلاك للأبدان، ولكن المقصود به القضاء على سلطة الكفر وقدرته وولايته، فتكون الولاية والقدرة لأهل الإسلام، ويكون الكفار مغمورين، ولهذا جاء في الأحاديث أنه إذا طلعت الشمس من مغربها لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، وكذلك كما هو معلوم أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس الذين لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، ولا يقال فيهم: الله، وأما المسلمون فينتهون قبل ذلك بخروج الريح اللينة التي تقبض روح كل مسلم ومسلمة، ولا يبقى إلا شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة، (ويهلك الله الملل كلها إلا الإسلام).

قوله: [(ويهلك المسيح الدجال)].

أي: يقتله ويقضي عليه، فيتولى مسيح الهداية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام بنفسه قتل مسيح الضلالة الدجال.

قوله: [(فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون)].

أي: أنه رفع إلى السماء فهو حي، ثم ينزل ويبقى تلك المدة، ثم يموت ويصلي عليه المسلمون صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>