للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث أنس في عذاب القبر]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبو نصر عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك قال: (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل نخلاً لبني النجار فسمع صوتاً ففزع فقال: من أصحاب هذه القبور؟ قالوا: يا رسول الله! ناس ماتوا في الجاهلية، فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار ومن فتنة الدجال.

قالوا: ومم ذاك يا رسول الله؟! قال: إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإن اللهُ هداه قال: كنت أعبد الله، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، فما يسأل عن شيء غيرها.

فينطلق به إلى بيت كان له في النار، فيقال له: هذا بيتك كان لك في النار، ولكن الله عصمك ورحمك، فأبدلك به بيتاً في الجنة، فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له: اسكن! وإن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره، فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت! فيقال له: فما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول الناس، فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين).

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال.

(إن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل نخلاً لبني النجار فسمع صوتاً ففزع).

وهذا الصوت هو عذاب القبر.

قوله: [(من أصحاب هذه القبور؟ قالوا: يا رسول الله! ناس ماتوا في الجاهلية)].

أي أن السبب الذي جعله يسأله أنه سمع الصوت الذي أفزعه وهو صوت الذين يعذبون في قبورهم، وهذا كما جاء في القرآن: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦]، فينتقلون من عذاب شديد إلى عذاب أشد وأعظم، وإلا فإنهم معذبون ما داموا في قبورهم بعذاب النار، حيث يفتح لهم باب إلى نار فيأتيهم من حرها وسمومها، ولكنهم إذا بعثوا انتقلوا إليها ووضعوا فيها فإن العذاب يكون أشد من ذاك الباب الذي كان يفتح عليهم، ويصل إليهم منه حرها وسمومها وهم في قبورهم.

فسبب الحديث وجود هذا الصوت الذي أفزعه صلى الله عليه وسلم، وهو لأصحاب تلك القبور الذين هم كفار، وكانوا قد قبروا في الجاهلية.

قوله: [(فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، ومن فتنة الدجال)] ذكر النار لأن عذاب النار موجود في القبر، والإنسان يتعوذ بالله من عذاب النار الذي يكون في القبر أو في نفس النار، والعذاب وإن لم يكن قد أضيف إليه العذاب في هذا الحديث فقد أضيف إليه في أحاديث كثيرة، لكن هذا يدل على أن عذاب القبر الذي سمعه هو من عذاب النار.

<<  <  ج:
ص:  >  >>