[شرح حديث أطيط العرش بالله تعالى]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الأعلى بن حماد ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار وأحمد بن سعيد الرباطي قالوا: حدثنا وهب بن جرير -قال أحمد: كتبناه من نسخته.
وهذا لفظه- قال: حدثنا أبي، سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: (يا رسول الله! جهدت الأنفس، وضاعت العيال، ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك! أتدري ما تقول؟ وسبَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك! إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك! أتدري ما الله؟ إن عرشه على سماواته لهكذا -وقال بإصبعه مثل القبة- مثل القبة عليه، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب).
قال ابن بشار في حديثه: (إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته) وساق الحديث.
وقال عبد الأعلى وابن المثنى وابن بشار: عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد بن جبير عن أبيه عن جده، والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح، وافقه عليه جماعة منهم يحيى بن معين وعلي بن المديني، ورواه جماعة عن ابن إسحاق كما قال أحمد أيضاً، وكان سماع عبد الأعلى وابن المثنى وابن بشار من نسخة واحدة فيما بلغني].
أورد أبو داود حديث جبير بن مطعم النوفلي رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: [(جهدت الأنفس، وضاع العيال، ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا؛ فإننا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك)] فلما قال: [(نستشفع بالله عليك)] قال عليه السلام: [(ويحك! أتدري ما تقول؟ وسبح الرسول صلى الله عليه وسلم، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك! إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك!)].
أي: وإنما الاستشفاع يكون من المخلوق، حيث يطلب منه أن يشفع مثلما يشفع النبي صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا، بأن يطلب منه الدعاء فيدعو ويجيب الله دعوته، وفي الآخرة تطلب منه الشفاعة عندما يكون الناس في الموقف فيشفع، وكذلك يشفع في الخروج من النار، وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواع متعددة، فالشفاعة تكون من الأدنى إلى الأعلى أما أن يشفع الأعلى عند الأدنى فلا، والقول بأن الله عز وجل يستشفع به على خلقه قول خطير وأمر عظيم، ولهذا سبَّح النبي صلى الله عليه وسلم مستعظماً ومتعجباً، وقال: [(شأن الله أعظم من ذلك)].
ثم ذكر أنه فوق عرشه، وأن عرشه فوق مخلوقاته، وقال: [(إنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب)] والرحل هو الخشب الذي يجعل على البعير ويركب عليه الراكب، وإذا كان الراكب ثقيلاً فإنه يصير له صوت من ثقل الراكب عليه.
وهذا الحديث الذي فيه أن العرش يئط بالله عز وجل غير صحيح، وفي إسناده من هو متكلم فيه، ولكن الشيء الذي ساقه أبو داود من أجله -وهو أن الله تعالى فوق عرشه- قد جاء في آيات كثيرة وأحاديث عديدة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والحجة بها دونه، ويكفي ما ورد مما صح عما لم يصح.
يقول الخطابي: هذا الكلام إذا أجري على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله وصفاته منفية، فعقل أن ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة، ولا تحديده على هذه الهيئة، وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله وجلاله سبحانه، وإنما قُصد به إفهام السائل من حيث يدركه فهمه، إذ كان أعرابياً جلفاً لا علم له بمعاني ما دق من الكلام، وبما لطف منه عن درك الإفهام، وفي الكلام حذف وإضمار، فمعنى قوله: (أتدري ما الله؟) معناه: أتدري ما عظمة الله وجلاله؟) وأقول: هذا كلام لا حاجة إليه، والحديث كما هو معلوم غير ثابت، وأما كون الله تعالى فوق عرشه فإنه ثابت في الآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة.