[شرح حديث (نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قتل الذر.
حدثنا قتيبة بن سعيد عن المغيرة -يعني ابن عبد الرحمن - عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، ثم أمر بها فأحرقت، فأوحى الله إليه فهلا نملة واحدة؟!)].
أورد أبو داود باباً في قتل الذر، والذر: هو صغار النمل، وإذا كان مؤذياً فإنه يقتل؛ لأن كل ما آذى فإنه يجوز قتله، وإذا لم تكن مؤذية فإنها تترك، ولا يتعرض لها، لكن إن وجد منها الإيذاء فإنها تقتل.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه:(أن نبياً نزل تحت شجرة فلدغته نملة، فأحرق القرية التي فيها تلك النملة، فأوحى الله إليه: هلاَّ نملة واحدة؟) يعني: هلا حصلت العقوبة لهذه النملة الواحدة التي حصل منها الإيذاء، وألا يعاقب غيرها بعقوبتها؟! وكان ذلك بالإحراق، ففيه أن التعذيب بالنار غير محرم في تلك الشريعة؛ لأنه إنما أنكر عليه عقابه لغيرها، ولم ينكر عليه أنه فعل ذلك بالنار، وأنه أحرقها، وإنما أنكر عليه أن الحق غيرها بها وعاملها معاملتها.
ومن المعلوم في هذه الشريعة أن الأمر منوط بالضرر، فإذا كان الذر أو النمل يحصل منه إيذاء للناس فلهم أن يقتلوه، وإذا لم يكن مؤذياً فإنهم يتركونه، وهكذا سائر الحيوانات التي يعرف إيذاؤها بطبعها، والتي لم يرد نص في قتلها مثل الوزغ الذي مر قتله، والحيات والعقارب التي أمر بقتلها، فالدواب والحيوانات التي لا تعرف بالأذى لا تقتل، وإنما إن وجد منها الأذى فتقتل بسبب أذاها.
قوله:(نزل نبي تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها).
جهازه أي: متاعه الذي كان تحت الشجرة، وهذا كقوله تعالى:{فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ}[يوسف:٧٠]، أي: متاعهم والميرة التي باعهم إياها، فأخذ متاعه الذي كان تحت الشجرة وأزاله حتى لا يصيبه الحريق حينما أحرق النمل (ثم أمر بها فأحرقت) أي: أمر بها فأحرقت هي وغيرها، (فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة؟) أي: فهلا أحرقت نملة واحدة وهي التي حصل منها اللدغ؟!