للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث ذم الجعائل على الغزو]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجعائل في الغزو.

حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا، ح وحدثنا عمرو بن عثمان حدثنا محمد بن حرب المعنى وأنا لحديثه أتقن عن أبي سلمة سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر الطائي عن ابن أخي أبي أيوب الأنصاري عن أبي أيوب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستفتح عليكم الأمصار وستكون جنود مجندة، تقطع عليكم فيها بعوث، فيكره الرجل منكم البعث فيها، فيتخلص من قومه، ثم يتصفح القبائل يعرض نفسه عليهم، يقول: من أكفيه بعث كذا؟ من أكفيه بعث كذا؟ ألا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه)].

الجعائل: جمع جعل، والمراد بها ما يعطى للشخص في مقابل غزوه، بمعنى أنه لا يكون غزوه من أجل الجهاد في سبيل الله، ولكنه أجير يغزو من أجل الجعل الذي يعطى له، هذا هو المقصود بالترجمة.

ومعلوم أن الجهاد في سبيل الله يكون لوجه الله، ويكون لإعلاء كلمة الله، ولا يكون الباعث عليه تحصيل الدنيا وحطامها، وإنما يكون الباعث له إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله، وهو مأجور على كل حال، سواء حصل غنيمة أو لم يحصل، أما أن يكون الباعث له على السفر للجهاد مع المجاهدين هو ذلك الجعل الذي جعل له، فيكون بمثابة الأجير الذي يعمل عملاً يأخذ عليه أجراً، فلا يكون بذلك متقرباً به إلى الله عز وجل، وذلك لا يليق بالمسلم ولا يسوغ له.

وقد أورد أبو داود حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وفيه قوله: (تقطع عليكم فيها بعوث).

يعني يؤخذ من هذه الجنود بعوث يختارون أو يقتطعون من غيرهم للغزو، فيذهبون للجهاد في سبيل الله، ثم من الناس من لا يريد أن يدخل في هذه البعوث التي تذهب للجهاد في سبيل الله، فيتخلص الواحد من أن يكون مع هؤلاء البعوث، ولكنه يذهب يتصفح وجوه الناس يطلب منهم أن يجعلوه أجيراً يستأجرونه ليذهب معهم على مقدار يحصله من الدنيا، فيكون الباعث له على ذلك هو هذا المال الذي يعطى له قبل أن يسافر، فيكون بذلك مسافراً من أجله.

قوله: (وستكون جنود مجندة تقطع عليكم فيها بعوث فيكره الرجل البعث فيها)، أي أن من الناس من يكره أن يدخل في جملة الجيش الذي يختار من قبيلته للجهاد، ولكنه بعد ذلك يفتش عمن يستأجره للجهاد.

قوله: (يقول: من أكفيه بعث كذا؟ من أكفيه بعث كذا؟).

بمعنى أني أكون بدله في الجهاد في مقابل أجرة، وفي مقابل جعل يوضع له.

قوله: (ألا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه).

أي: من كان هذا شأنه فهو أجير وليس بمجاهد، ولم يخرج لإعلاء كلمة الله، وإنما خرج من أجل هذا المال الذي طلبه وسعى لتحصيله.

وقوله: (إلى آخر قطرة من دمه) معناه أنه لو استمر على ذلك حتى قتل وهو على هذه النية فإنه يعتبر أجيراً، ولا يعتبر مجاهداً في سبيل الله، ومثل ذلك لا يسوغ، لأن الأعمال الصالحة يجب أن تكون خالصة لوجه الله، ولكنه إذا خرج للجهاد في سبيل الله يريد الأجر، فحصل غنيمة فهي من الرزق ومن الثواب المعجل الذي يعجله الله له في الدنيا قبل الآخرة، وهذا لا بأس به، وكذلك لو خصصت مبالغ للإنفاق على المجاهدين في سبيل الله، ثم خرج للجهاد، فاستفاد من هذه النفقات التي تصرف، فلا بأس بذلك أيضاً.

ولا يجوز للإنسان أن يؤجر نفسه ليجاهد في سبيل الله، وإنما يجب عليه أن يخرج إلى الجهاد يريد وجه الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>