للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث المقدام بن معد يكرب أنه قال لمعاوية (فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي حدثنا بقية عن بحير عن خالد قال: وفد المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه وعمرو بن الأسود ورجل من بني أسد من أهل قنسرين إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فقال معاوية للمقدام: أعلمت أن الحسن بن علي رضي الله عنهما توفي؟ فرجّع المقدام، فقال له رجل: أتراها مصيبة؟ قال له: ولم لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فقال: (هذا مني وحسين من علي)، فقال الأسدي: جمرة أطفأها الله عز وجل، فقال المقدام: أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأسمعك ما تكره، ثم قال: يا معاوية! إن أنا صدقت فصدقني وإن أنا كذبت فكذبني، قال: أفعل، قال: فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الذهب؟ قال: نعم، قال: فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن لبس الحرير؟ قال: نعم، قال: فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟ قال: نعم، قال: فوالله! لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية! فقال معاوية: قد علمت أني لن أنجو منك يا مقدام! قال خالد: فأمر له معاوية بما لم يأمر لصاحبيه، وفرض لابنه في المائتين، ففرقها المقدام في أصحابه قال: ولم يعط الأسدي أحداً شيئًا مما أخذ، فبلغ ذلك معاوية، فقال: أما المقدام فرجل كريم بسط يده، وأما الأسدي فرجل حسن الإمساك لشيئه].

أورد أبو داود حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله تعالى عنه: أنه جاء إلى معاوية يعني في زمن خلافته وافداً عليه ومعه اثنان هما عمرو بن الأسود ورجل من بني أسد.

فقال معاوية للمقدام: [أعلمت أن الحسن بن علي رضي الله عنهما قد توفي؟! فرجّع المقدام] يعني أتى بالاسترجاع، وهو قول: ((إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)) عند المصيبة كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:١٥٦]، هذا هو الترجيع الذي جاء في الحديث.

قوله: [قال له رجل: أتراها مصيبة؟] يعني: أنك استرجعت، والاسترجاع إنما هو للمصائب! قال: (وكيف لا أراها وقد وضعه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره، وقال: هذا مني وحسين من علي) يعني: إنه شبيهٌ بي، وحسين شبيه بـ علي.

[وقال الأسدي: جمرة أطفأها الله].

يقصد هنا أن الحسن جمرة أطفأها الله.

وهذا كلام سيئ في حق الحسن رضي الله تعالى عنه وأرضاه، بل هي مصيبة كبيرة وعظيمة، وهذا الذي قاله ذلك الأسدي كلام قبيح سيئ.

[فقال المقدام: أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأسمعك ما تكره].

يعني بعدما حصل في هذا المجلس ما حصل، قال: أنا لا أبرح حتى أغيظك وأسمعك ما تكره -يخاطب معاوية رضي الله عنه- ثم سأله قال: (أنشدك بالله! هل تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم الذهب؟ قال: نعم، قال: أنشدك بالله! هل تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير؟ قال: نعم، قال: أنشدك بالله! هل تعلم أن الرسول نهى عن لبس جلود السباع، والركوب عليها؟ فقال: نعم، قال: فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية!).

يعني: في بعض حاشيته وبعض من هو من أهل بيته، ومعلوم أن معاوية رضي الله عنه لا يقر هذا ولا يرضاه، وقد يكون غافلاً عنه، وقد يكون علمه ونهى عنه، ويحمل ما جاء عن الصحابة من قبيل هذا على أحسن المحامل من باب إحسان الظن بهم.

[فقال معاوية: قد علمت أني لن أنجو منك يا مقدام!].

يعني: من كلامك، ومن نيلك مني.

[قال خالد: فأمر له معاوية بما لم يأمر لصاحبيه].

خالد هو خالد بن معدان الذي روى عن المقدام، وفي عون المعبود أنه خالد بن الوليد، وهذا غير واضح؛ لأن الكلام يدل سياقه على أن خالداً هو الذي روى عن المقدام.

[فأمر له معاوية بما لم يأمر لصاحبيه].

أي: اللذين معه الأسدي، وعمرو بن الأسود.

[وفرض لابنه في المائتين].

أي: ابن المقدام في المائتين، أو في المئين يعني: من العطاء الكثير، الذي هو في المئين، أو مائتين، أو مقداراً يتجاوز المائة.

[ففرقها المقدام في أصحابه].

أي: هذا العطاء الذي أعطيه، فرقه في أصحابه.

[ولم يعط الأسدي أحداً شيئاً مما أخذ].

ذلك الذي قال: جمرة أطفأها الله، لم يعط أحداً شيئاً مما أعطاه معاوية.

[فبلغ ذلك معاوية، فقال: أما المقدام فرجل كريم بسط يده].

أي أنه بلغ معاوية الذي حصل من توزيع المقدام ما أعطي من مالٍ، فقال: أما المقدام فكريم بسط يده، يعني: في البذل والعطاء والإحسان، وأما الأسدي فرجل حسن الإمساك لشيئه، يعني: أنه أمسك ما أعطاه معاوية ولم يبذل ماله كله كما حصل من المقدام رضي الله عنه.

محل الشاهد هو الجملة الثالثة من الجمل التي قالها.

المقدام: (أنشدك الله! هل تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب جلود السباع والجلوس عليها؟) وهذا فيه لفظ السباع، وهو أعم من النمر؛ لأنه يشمل النمور وغير النمور.

<<  <  ج:
ص:  >  >>