[فضل أبي داود وكتابه السنن]
جاءت نصوص تدل على عظم شأن سنن أبي داود وعلى عظم منزلة كتابه الذي سنبدأ إن شاء الله بدراسته.
وأبو داود السجستاني رحمة الله عليه هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني ويقال: السجزي، نسبة إلى سجستان، والنسبة إليها يقال فيها: سجستاني، ويقال: سجزي.
وكانت ولادته سنة اثنتين بعد المائتين في أول القرن الثالث الهجري الذي عرف بالعصر الذهبي لتدوين السنة وجمعها والعناية بها، فلقد ألفت في ذلك العصر المؤلفات الكثيرة الواسعة ومنها الكتب الستة، لأن أصحاب الكتب الستة كلهم عاشوا في القرن الثالث الهجري والبخاري رحمة الله عليه في أول حياته أدرك ستة سنوات من القرن الماضي، والنسائي أدرك القرن الرابع فتوفي بعد مضي ثلاث سنوات منه، وعلى هذا فإن أصحاب الكتب الستة كلهم في القرن الثالث الهجري.
وكانت وفاة أبي داود سنة مائتين وخمس وسبعين، وأول أصحاب الكتب الستة وفاة البخاري حيث توفي سنة مائتين وست وخمسين، ويليه مسلم حيث كانت وفاته سنة مائتين وأربع وستين، ثم بعد ذلك أبو داود وابن ماجة وكانت وفاتهما معاً في سنة خمس وسبعين ومائتين، ثم بعد ذلك الترمذي وكانت وفاته سنة تسع وسبعين ومائتين، وآخرهم وفاة النسائي حيث كانت وفاته سنة ثلاثمائة وثلاث من الهجرة.
ومما جاء في أبي داود قول الحافظ ابن حجر في التقريب: ثقة حافظ، مصنف السنن وغيرها، من كبار العلماء.
وقال فيه الذهبي في سير أعلام النبلاء: إنه كان مع تبحره في الحديث فقيهاً، وكتابه السنن يدل على فقهه وعلى مكانته في الفقه، يعني: كونه يأتي بالأبواب والتراجم، ثم يورد أحاديث للاستدلال على تلك التراجم، فذلك من فقهه واستنباطه.
وكما ذكروا أن فقه البخاري في تراجمه فكلام الذهبي رحمة الله عليه يشير إلى أن السنن بما فيه من أبواب كثيرة وأحاديث منتقاة، وعناية بأحاديث الأحكام دال على فقه أبي داود بالإضافة إلى روايته، فهو بذلك عالم رواية من حيث ذكر الأحاديث بأسانيدها ومتونها، وعالم دراية من حيث الاستنباط من الأحاديث، وبذكر التراجم التي يضعها ثم يأتي بالأحاديث التي تدل عليها.
وكذلك أثنى على كتابه هو نفسه وبين منزلته، لأنه تعب فيه وعرف منزلته ومقداره، فمن أجل ذلك قال ما قال عنه من المدح والثناء الذي ذكره في رسالته لأهل مكة، وكذلك أثنى عليه أهل العلم وبينوا منزلته وعظيم قدره.
ومما ذكر في ترجمته قالوا: إن سهل بن عبد الله التستري جاء إلى أبي داود وطلب منه أن يخرج لسانه الذي يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبله، ومما ذكر أيضاً في ترجمته: أنه كان يقول: خير الكلام ما دخل إلى الأذن بدون إذن، يعني: لوضوحه وسلامته وسلاسته وحسنه وجماله، ذكر ذلك الحافظ الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء، ونقل عن ابنه أبو بكر بن أبي داود قال: سمعت أبي يقول: خير الكلام ما دخل في الأذن بدون إذن.
والكلام في أبي داود وفي سننه كثير، وما يتعلق بسنن أبي داود وبيان قيمتها، وكيفية تأليفها، وموضوع الكتاب قد أوضحه في رسالته إلى أهل مكة، وهي رسالة قيمة مختصرة توضح مراده.