[شرح حديث: (الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الصرف.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الذهب بالورق رباً إلا هاء وهاء، والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء)].
قوله: [باب في الصرف] الصرف: هو بيع النقود بعضها ببعض، سواء كان ذهباً بذهب أو ذهباً بفضة، والصرف خاص بالنقود، وأما الشعير بالشعير والتمر بالتمر فليس من قبيل الصرف، ولكنه مثل الصرف من جهة أنه جنس مثل جنس الذهب، فالذهب بالذهب يباع متماثلاً ومتقابضاً فيه، والتمر بالتمر يباع متماثلاً ومتقابضاً فيه، بدون تأجيل ولا زيادة، لكن الصرف خاص بالنقود والعملة؛ ولهذا يقول بعض المصنفين في كتبهم: باب الربا والصرف، والربا أعم من الصرف؛ لأن الربا يكون في الصرف وفي غيره، لكن الصرف لا يدخل فيه المكيلات مثل التمر والشعير والبر والأرز وغير ذلك من الأشياء المكيلة.
إذاً: هذه الترجمة هي ببعض ما اشتملت عليه الأحاديث؛ لأن الأحاديث الواردة في الباب اشتملت على الصرف وغير الصرف، وهي تدل على الترجمة، ولكنها ليست مقصورة على الترجمة؛ بل تشتمل على الترجمة -وهي الصرف- وعلى الأشياء المكيلة.
فالصرف خاص بالنقود، والنقود المتماثلة لابد فيها من التساوي والتقابض، فلا يجوز فيها فضل ولا نسيئة، والفضل هو الزيادة في بعضها على بعض، والنسيئة هو: تأجيل النقدين أو تأجيل أحدهما.
والنقود التي ليست من جنس واحد يشترط فيها التقابض، ولا مانع من التفاضل، كذهب وفضة، فالفضة تكون أكثر وزناً؛ لأن الذهب أنفس وأغلى من الفضة، فلا مانع من التفاضل، لكن لابد من التقابض؛ لأنه قد جاء في الحديث: (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)، أي: فبيعوا كيفما شئتم متفاضلاً إذا كان يداً بيد، فيجوز بيع (٢) كيلو مثلاً فضة بكيلو ذهب، أو (١٠) كيلو فضة بكيلو ذهب، لكن لابد من التقابض، فصاحب الذهب يعطي الذهب لصاحب الفضة، وصاحب الفضة يعطي الفضة لصاحب الذهب في المجلس، دون أن يكون هناك تأخير.
وعلى هذا فالصرف إذا كان في بيع الشيء بجنسه فلابد فيه من أمرين: التماثل، والتقابض، وإذا اختلفت الأجناس فلابد من التقابض والتفاضل لا بأس به.
وقد أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالورق رباً إلا هاء وهاء) (هاء وهاء) يعني إلا بالقبض، فيجوز بيعهما متفاضلين بشرط التقابض، وقد جاء في الحديث: (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) فالتفاضل بين الذهب والفضة جائز، والمحذور هو النسيئة فيهما.
قوله: [(والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء)]، لابد هنا من التقابض والتماثل أيضاً؛ لأن الذهب والورق جنسان مختلفان، فيلزم التقابض ويجوز التفاضل، وأما البر بالبر فهو جنس واحد، فلابد من التماثل والتقابض.
قوله: [(والتمر بالتمر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء)].
(هاء وهاء) أي: خذ وخذ، كل واحد يقول للثاني: خذ، ففيه أخذ وإعطاء، هذا يقول لصاحبه: خذ ما عندي، وهذا يقول لصاحبه: خذ ما عندي.