للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[العلاقة بين الإسلام والإيمان]

وجبريل عليه السلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ففسره بالأعمال الظاهرة التي هي الشهادتان وهي قول باللسان، والأركان الأخرى التي هي أعمال بالجوارح؛ من صلاة وزكاة وصيام وحج، وكلها أمور ظاهرة، ولهذا فإن الإسلام في الأصل هو الاستسلام لله، ومعنى ذلك: أن هذا الاستسلام يظهر على الجوارح.

ثم إنه سأله عن الإيمان، فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره).

وهذه هي أركان الإيمان الستة، وقد فسره بأمور باطنة، وهي تناسب المعنى اللغوي الذي هو التصديق، وهو ما يقوم بالقلب، فأضيف إلى الإسلام ما يناسب معناه اللغوي، وهو الاستسلام والانقياد، وأضيف إلى الإيمان ما يناسب معناه اللغوي وهو ما يقوم بالقلب من التصديق.

وكما هو معلوم أن الإيمان لابد أن يكون بالقلب وباللسان وبالعمل، ولكن عند اجتماعهما أعطي الإسلام ما يناسب المعنى اللغوي وهو الظاهر، وأعطي الإيمان ما يناسب المعنى اللغوي وهو ما يقوم بالقلب من التصديق، ومن المعلوم أن لفظ الإيمان والإسلام من الألفاظ التي إذا جمع بينهما في الذكر فرق بينهما في المعنى، وإذا انفرد أحدهما شمل المعاني المفرقة عند الاجتماع، وفي حديث جبريل لما كان السؤال عن الإسلام والإيمان وزع المعنى العام عليهما، فأعطي الإسلام الأمور الظاهرة، وأعطي الإيمان الأمور الباطنة، لكن إذا جاء لفظ الإسلام منفرداً مستقلاً، فإنه يشمل الأمور الظاهرة والباطنة، كما قال الله عز وجل: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣] فليس المقصود من ذلك الأمور الظاهرة فقط دون ما يقوم بالقلوب، وكذلك قوله: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] ليس المقصود من ذلك ما جاء في حديث جبريل: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلخ) بل يدخل فيه أركان الإسلام وأركان الإيمان، وكذلك الإيمان عندما يأتي منفرداً يشمل الظاهر والباطن.

قوله: (أن تؤمن بالله) الإيمان بالله عز وجل يعني: الإيمان بوجوده، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وقد مر ما يتعلق ببيان الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وهذا الركن الأول من أركان الإيمان مثل الركن الأول من أركان الإسلام؛ لأن ذاك أساس يتبعه كل ما وراءه، وهذا أساس يتبعه كل ما وراءه؛ فالإيمان بالله يتبعه ما وراءه، ولهذا جاءت الضمائر مضافة إليه: بالله ملائكته كتبه رسله، فهو الأساس وغيره تابع له، أي: أن الإيمان بالملائكة تابع للإيمان به، والإيمان بالرسل تابع للإيمان به، والإيمان بالكتب تابع للإيمان به، والإيمان باليوم الآخر تابع للإيمان به، والإيمان بالقدر تابع للإيمان به، ومن لم يؤمن بالله لا يؤمن بهذه الأمور.

<<  <  ج:
ص:  >  >>