[شرح حديث اتكائه صلى الله عليه وسلم في الخطبة على عصا أو قوس]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الرجل يخطب على قوس.
حدثنا سعيد بن منصور حدثنا شهاب بن خراش حدثني شعيب بن رزيق الطائفي قال: جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: الحكم بن حزم الكلفي رضي الله عنه، فأنشأ يحدثنا قال:(وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله! زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر لنا بشيء من التمر والشأن إذ ذاك دون، فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئاً على عصا أو قوس فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات ثم قال: أيها الناس! إنكم لن تطيقوا -أو: لن تفعلوا- كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا).
قال أبو علي: سمعت أبا داود قال: ثبتني في شىء منه بعض أصحابنا، وقد كان انقطع من القرطاس].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى:[باب الرجل يخطب على قوس] أي أن الخطيب يخطب معتمداً على قوس أو على عصا في حال خطبته، وذلك ليكون أسكن له، وأدعى إلى عدم حركته وحركة يده، وأيضاً ليتكئ عليها، وفي ذلك تخفيف عليه من طول قيامه، فالاعتماد على العصا أو القوس هو لهذه الحكم.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث الحكم بن حزم الكلفي رضي الله تعالى عنه قال: [(وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله! زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر لنا بشيء من التمر)].
والمتاع والطعام قليل، وهو إشارة إلى قلة ذات اليد.
قوله: [(فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئاً على عصاً أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: أيها الناس! إنكم لن تطيقوا -أو: لن تفعلوا- كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا)].
الشاهد قوله: [(فقام متوكئاً على عصا أو قوس)].
والحديث دليل على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفاقة ومن قلة ذات اليد، وكذلك ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرم واللطف بالمسلمين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكذلك أيضاً كون الخطبة تشتمل على حمد الله عز وجل، وأنها تشتمل على كلمات واضحة جلية مفيدة مباركة، وكذلك أيضاً كون الرسول صلى الله عليه وسلم بين في خطبته أنهم لن يطيقوا كل ما أمروا به، ولكن عليهم السداد، وأن يفعلوا ما يستطيعون، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر:(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، ولهذا جاء في حديث عمران بن حصين الذي سبق أن مر بنا فيما يتعلق بالصلاة قوله صلى الله عليه وسلم:(صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) فالأوامر يأتي الإنسان بها على قدر طاقته وعلى قدر استطاعته: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦]، وأما النواهي فإنها تروك، والتروك مستطاعة مطلقاً، وكل إنسان يستطيع الترك، ولكنه يحتاج إلى مجاهدة النفس، وإلى محاسبتها، وإلى كفها عن الإقدام على ما يعود عليها بالضرر، ولهذا جاء في الحديث:(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، فقيد الأمر بالاستطاعة، والاجتناب ما قيده بالاستطاعة؛ لأنه مستطاع مطلقاً، فالنواهي يستطيع الإنسان تركها إذا وفق لمجاهدة نفسه وإبعادها عن الوقوع في المعاصي والمحرمات، وأما الأوامر فهي التي يكون فيها مشقة، وقد تستطاع وقد لا تستطاع، ولكن على الإنسان أن يأتي بالأوامر على قدر طاقته وعلى قدر استطاعته.