شرح حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقت في الحمر حداً
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحد في الخمر.
حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن المثنى وهذا حديثه قالا: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن محمد بن علي بن ركانة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقت في الخمر حداً).
وقال ابن عباس:(شرب رجل فسكر فلقي يميل في الفج، فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حاذى بدار العباس انفلت فدخل على العباس فالتزمه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك وقال: أفعلها؟ ولم يأمر فيه بشيء).
قال أبو داود: هذا مما تفرد به أهل المدينة حديث الحسن بن علي هذا].
ذكر الإمام أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي:[باب في الحد في الخمر]، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم التحديد في حد الخمر بأربعين، وجاء عن عمر رضي الله عنه بمشورة الصحابة أنه جعله ثمانين، وهو ما يعادل أخف وأسهل الحدود غير الخمر، وهو القذف الذي يكون الجلد فيه ثمانين، وقد جاء في بعض الأحاديث عدم التحديد، وإنما ذكر فيها جلد وضرب، وأن كلاً يضرب من جهته، وجاء في بعضها التحديد بأربعين وقد ذكر بعضها المصنف هنا، فقد جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلد أربعين، وأبا بكر جلد أربعين، وعمر جلد أربعين ثم جعلها ثمانين، وعلى هذا فحد الخمر أربعون كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض أهل العلم قال: حده ثمانون جلدة، وبعضهم قال: ما زاد على الأربعين إنما هو تعزير، ويرجع فيه إلى الإمام، ولا شك أن الذي ثبتت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام هو أربعون، فمن أخذ بذلك فقد أخذ بالسنة، ومن أخذ بالثمانين فقد أخذ بما جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو من الخلفاء الراشدين الهادين المهديين.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقت للخمر حداً) أي: أنه لم يوقت ولم يجعل لها حداً، وذكر أيضاً: أن رجلاً سكر وأنه رؤي يميل في الفج -أي: في الطريق- فعرف أنه سكران فهرب ودخل في بيت العباس والتزمه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل فقال:(أفعلها؟) فجعل يتبسم ويضحك ويقول: (أفعلها؟) ولم يأمر فيه بشيء، لكن الحديث في إسناده ابن جريج، وقد روى بالعنعنة، ولو ثبت فإنه يكون محمولاً على أنه لم يحصل فيه ثبوت شيء لا بالاعتراف ولا بالشهادة، وإنما رؤي يتمايل فظن أنه شرب خمراً، وأنه لما دخل على العباس والتزمه معناه أنه: ملتجئ إليه وطالب تخليصه، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بشيء، ولكنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جلد في الخمر أربعين، كما جاء في حديث علي رضي الله عنه وأرضاه الذي ذكره أبو داود، وهو عند مسلم وغيره كما سيأتي.