[شرح حديث:(لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير طهور)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فرض الوضوء.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يقبل الله عز وجل صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور)].
أورد أبو داود باب فرض الوضوء.
يعني: أنه فرض ولا زم، وأنه مما فرضه الله عز وجل، وأن الصلاة لا بد لها من وضوء أو ما يقوم مقام الوضوء، والذي يقوم مقام الوضوء هو التيمم، فإن التيمم يقوم مقام الوضوء عند فقد الماء أو عند عدم القدرة على استعماله.
أورد أبو داود حديث أسامة بن عمير رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يقبل الله صدقة من غلول)، الغلول هو: الأخذ من الغنيمة خفية، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(لا يقبل الله صدقة من غلول)؛ لأن المال الحرام لا يقبل الله الصدقة منه؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، والحرام لا يتصدق به، وليس مصدراً للإنفاق؛ لأن التصرف فيه حرام؛ لأنه أخذه من حرام، وإخراجه كذلك حرام؛ لأنه ليس مالاً ولا حقاً له، فهو تصدق بشيء لا يملكه، وإنما هو محرم عليه، فلا يقبل الله صدقة من غلول؛ لأنها ليست من ماله ولا من ملكه، والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وهي ليست من الطيب، بل هي من الخبيث الذي جاء عن طريق الغلول.
وقوله:(ولا صلاة بغير طهور) يعني: ولا يقبل الله صلاة بغير طهور، فالإنسان إذا صلى بدون وضوء أو بدون تيمم فصلاته باطلة، ولا عبرة بها ولا قيمة لها، بل يتحتم على المسلم ويلزمه عند إرادة الصلاة أن يتوضأ، كما قال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}[المائدة:٦]، أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم، فهذا فرض لازم، وإذا صلى الإنسان على غير طهارة وهو قادر على استعمال الماء أو التيمم عند فقد الماء فإن صلاته لا تصح ولا تكون مقبولة عند الله، أما إذا كان الإنسان ليس قادراً على الماء، ولا على التيمم، فإنه يصلي على حسب حاله؛ لقوله عز وجل:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦]، ولا تسقط عنه الصلاة، فإذا عجز الإنسان عن الماء والتيمم كالذي يكون مربوطاً في سارية، ويأتي وقت الصلاة وهو لا يستطيع الوضوء ولا التيمم، لا يقال: إنه لا صلاة عليه وإن الصلاة تسقط عنه، وإنما ما دامت الروح في الجسد فلا بد من الصلاة، فيصلي على حسب حاله، ولكن الشيء الذي لا يقبله الله هو الذي يكون معه قدرة على الطهور سواء كان الوضوء أصلاً أو ما يقوم مقام الوضوء الذي هو التيمم، وهذا يدلنا على أن الوضوء فرض لازم لا بد منه، وأنه لا تقبل الصلاة إلا بوضوء أو ما يقوم مقام الوضوء الذي هو التيمم.