للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث أم عطية في غسل زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف غسل الميت.

حدثنا القعنبي عن مالك (ح) وحدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد المعنى، عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أم عطية رضي الله عنها، أنها قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين توفيت ابنته، فقال: (اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك، بماءٍ وسدر، واجعلن في الآخر كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتنّ فآذنني، فلما فرغنا آذنّاه، فأعطانا حقوه، فقال: أشعرنها إياه)، قال عن مالك: يعني: إزاره، ولم يقل مسدد: (دخل علينا)].

أورد أبو داود هذه الترجمة [باب كيف غسل الميت]، وهذه الترجمة عقدها أبو داود رحمه الله لبيان كيفية تغسيل الميت، وتغسيل الميت يكون وتراً، وكل غسلة منها تستوعب الجسد كله، والواجب هو غسلة واحدة كافية، وإن احتيج إلى أكثر من ذلك فإنه يُغسل وتراً، وهذا يرجع إلى نظر الغاسل، فإذا رأى الغاسل أن التنقية قد حصلت بواحدة فلا بأس، وإن حصلت بثلاث غسلات فبها، وإن حصلت بخمس فكذلك وهكذا، وقد جاء في بعض الروايات أن البدء يكون بالميامن ومواضع الوضوء، ومعنى ذلك أن الغسلة الأولى يكون فيها وضوء، ثم يكمل الغسل، وأما الغسلات الأخرى فإنها تكون مستوعبة لجميع الجسد، ولكن يبدأ بالميامن، وهذا سيأتي في حديث أم عطية: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها).

والحاصل: أن الميت يُغسل سائر جسده، وأن ذلك يكون وتراً، والمقصود هو الإنقاء والنظافة، فإذا تمت بدون عددٍ كبير اكتفي بها، وإن احتيج إلى إكثار الغسلات فلا بأس في ذلك.

ثم ذكر أبو داود حديث أم عطية قالت: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين توفيت ابنته)، قيل: هي زينب، وهي كبرى بناته رضي الله تعالى عنها، وهي زوجة أبي العاص بن الربيع، وأم أمامة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة، فكان إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها، وجاء في بعض الأحاديث -كما سيأتي- أنها أم كلثوم، وأم كلثوم كانت متأخرة الوفاة، فقد توفيت سنة تسع، وقيل: إن أم عطية غسلت هذه وهذه، ولكن المعروف أنها زينب.

قوله: (أكثر من ذلك) أي: أكثر من خمس، (إن رأيتن ذلك) أي: إن رأيتن حاجة إلى الزيادة، ولكن ليكن الختم بوتر، وقد جاء أيضاً ذكر السبْع والأكثر من ذلك، ومعنى هذا أن الأمر في غسل الميت مفوَّض إلى الغاسل إذا كان يرى حاجة إلى زيادة الغسلات.

قوله: (بماءٍ وسدر)؛ لأنه يكون أكمل في التنقية والتنظيف.

قوله: (واجعلن في الآخرة كافوراً) أي: في الغسلة الأخيرة التي يكون بعدها التكفين، وهذا فيه تصليب للجسد ومناعة.

قوله: (أو شيئاً من كافور) هذا شك: هل قال: كافوراً أو شيئاً من كافور؟ قوله: (فإذا فرغتن فآذنني) أي: إذا لم يبق إلا التكفين وفرغتن من الغسل فآذنني، أي: أخبرنني بأنكن انتهيتن.

قولها (فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه)، المقصود بالحقو هنا الإزار، والحقو هو معقل الإزار، وقيل له حقوة؛ لأنه هو الذي يلامسه، وفي بعض الألفاظ: (أنه أعطاهن إزاره).

قوله: (أشعرنها إياه) أي: اجعلنه يلي جسدها؛ لأنه كان يلي جسده صلى الله عليه وسلم، فهو حقوه الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يكون على ابنته ويلي جسدها، وفي ذلك بركة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يتبرك به وبما لامس جسده صلى الله عليه وسلم، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتبركون بذلك، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فكانوا يتبركون بشعره إذا حلقه، وكذلك كانوا يتبركون بفضل وضوئه، ويتبركون بعرقه وما مسته يده صلى الله عليه وسلم، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، ولا يقاس غيره عليه؛ ولهذا لم يكن الصحابة يفعلون ذلك مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وهم خير الناس، وقد ظفر به أصحابه الكرام الذين أكرمهم الله بصحبته، وجعل وجودهم في زمانه، وجعلهم المجاهدين معه، والمتحملين للشريعة، والمبلّغين لها إلى الناس، فكانوا بذلك الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والشعار: هو الذي يلي الجسد، والذي فوقه يسمى الدثار، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم حنين لما وجدوا ما وجدوا في أنفسهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم وأعطاها المؤلفة قلوبهم، والذين أسلموا عام الفتح؛ ليتألفهم، فوجدوا في أنفسهم وتكلم بعضهم، فقالوا: إن سيوفنا تقطر من دمائهم ثم يُعطيهم العطاء ولم يُعطنا! فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمعهم في مكان، وتحدث معهم، وبيّن فضلهم، وتكلم بالكلام الذي صار خيراً لهم من إعطاء الإبل والذهب والفضة، فكان مما قاله: (ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ ثم قال: الأنصار شعار والناس دثار) أي: أن الأنصار كالشعار الذي يلي جسدي، وغيرهم كالدثار الذي يكون وراء ذلك.

قوله: [قال عن مالك: يعني: إزاره] هذا تفسير للحقو.

قوله: [ولم يقل مسدد دخل علينا]، هو أحد شيخي أبي داود هنا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>