[شرح حديث استلام الملتزم]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الملتزم.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الرحمن بن صفوان قال: (لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة قلت: لألبسن ثيابي -وكانت داري على الطريق- فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فانطلقت فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسطهم)].
قوله: [باب الملتزم].
الملتزم: هو المكان الذي يقع بين باب الكعبة والحجر الأسود هذا يقال له: الملتزم، وقال عنه هنا: الحطيم، يعني: الحجر الأسود، والحطيم يطلق ويراد به الحجر، وقيل: إنه يراد به الحجر الذي من جهة الشام الذي فيه الركنان الشاميان، وما يقوله بعض الناس أنه حجر إسماعيل فهذا لا أساس له، وليس حجراً لإسماعيل؛ لأن إبراهيم وابنه إسماعيل لما بنيا الكعبة لم يكن هناك حجر، وإنما كانت الكعبة كلها مبنية والحجر داخل فيها، لكن لما بنتها قريش قصرت بهم النفقة فلم يبنوها كاملة، بل تركوا جزءاً من جهة الشام هو هذا الحجر، ولهذا لا يطاف من داخل الحجر وإنما يطاف من وراء الجدار الدائري؛ لأن الإنسان لو طاف من داخل الحجر طاف ببعض الكعبة ولم يطف بكل الكعبة، والطواف لابد أن يكون بكل الكعبة.
ومن العلماء من يقول: إن الحطيم هو من الحجر إلى الحجر وإلى المقام هذه المنطقة يقال لها: الحطيم، لكن الذي ورد في الحديث أن الحطيم يراد به الحجر؛ لأن الملتزم يقع بين الحجر الأسود وبين باب الكعبة، والالتزام هو كون الإنسان يأتي ويلصق نفسه بالملتزم ويضع خده ويديه على تلك المنطقة، وقد ورد فيه حديثان فيهما ضعف، في أحدهما يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، وفي الثاني المثنى بن الصباح وهو ضعيف، والشيخ الألباني رحمه الله ضعف الأحاديث التي وردت في هذا الباب كلها، ولكنه ذكر في المنسك أن للإنسان أن يأتي الملتزم ويضع خده عليه على الصفة التي تحصل في الملتزم، وقال: إن الحديثين يحصل تقويتهما، والحقيقة أن الرجلين اللذين فيهما ضعيفان.
وهناك شخص آخر متابع وهو علي بن عاصم وهو أحسن منهما، حيث قال فيه الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ، وأما أولئك فقد قال عن كل واحد منهما: ضعيف.
وأحال الشيخ الألباني إلى السلسلة الصحيحة رقم (٢١٣٨) وذكر هذين الحديثين وذكر المتابعة التي من علي بن عاصم، وذكر آثاراً عن بعض الصحابة ثابتة عنهم في الإتيان إلى الملتزم.
وعلي بن عاصم لم يأت ذكره هنا في الأسانيد التي أوردها أبو داود، لكن كونه جاء عن بعض الصحابة وثبت ذلك عنهم يمكن أن يكون له وجه، ولكن كما هو معلوم المنطقة الآن هي بجوار الحجر وذاك محل زحام، والقضية ليست قضية الاستلام، فالاستلام أمره سهل فيمكن للمرء أن يقبله أو يلمسه، ولكن المشكلة هذا الالتصاق الذي يكون فيه تزاحم، فإذا فعل الإنسان ذلك لكونه جاء عن بعض الصحابة فهذا له وجه، وإن تركه فإنه لا يترتب عليه ترك شيء واجب.
قوله: [(لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قلت: لألبسن ثيابي -وكانت داري على الطريق- فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فانطلقت فرأيت النبي صلى الله عليه آله وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسطهم)].
هذا فيه وصف الالتزام، وفيه بيان مكان الملتزم وأنه بين الباب والحطيم الذي هو الحجر الأسود.
وكون الرسول صلى الله عليه وسلم كان وسطهم يحتمل أن يكون ملتزماً، ويحتمل أن يكون وسطهم وهو غير ملتزم، وقال بعض أهل العلم: كان النبي صلى الله عليه وسلم وسط الجماعة الذين كانوا في هذه المنطقة.
لكن كونهم يفعلونه وهو يقرهم فهو دليل على جوازه وإن لم يفعله صلى الله عليه وسلم، ولكن الشأن في الثبوت؛ لأن فيه يزيد بن أبي زياد الضعيف الذي مر ذكره في مواضع عديدة في أحاديث متعددة، وضعف الحديث بسببه.