للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث وسم الغنم في آذانها]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في وسم الدواب.

حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بأخ لي حين ولد ليحنكه، فإذا هو في مربد يسم غنماً.

أحسبه قال: في آذانها)].

أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في وسم الدواب، يعني: أن ذلك سائغ؛ لأن فيه مصلحة وفائدة، وهي أنه علامة بحيث يكون كل جماعة أو كل قبيلة لهم علامة في الوسم، بحيث إذا رئي الحيوان قيل: هذه الناقة لآل فلان، أو هذا وسم آل فلان، أو هذا وسم إبل الصدقة، فالمقصود به العلامة التي يستدل بها على أهل البهيمة، وعلى أصحاب البهيمة، وهو إن كان فيه شيء من الإيذاء في أول الأمر عند وسمها إلا أنه من جنس الأشياء الأخرى مثل الختان؛ لأن فيه مصلحة وفائدة.

فالوسم جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه كما أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه جاء بأخ له حين ولد ليحنكه، أي: ليمضغ تمرة ثم يدلك بها حنكه فيكون أول شيء يصل إلى جوفه هو ذلك الحلو، ثم كونه من ريق النبي صلى الله عليه وسلم فيكون فيه البركة، وقد كانوا يتبركون بريقه صلى الله عليه وسلم ويتبركون ببصاقه وشعره وعرقه ومخاطه صلى الله عليه وسلم.

فكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتبركون به صلى الله عليه وسلم، فكانوا يأتون إليه من أجل أن يحنك أولادهم، وبعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يذهب إلى أحد ليحنك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ريقه فيه بركة، ولم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده يذهبون إلى أبي بكر أو إلى عمر أو إلى عثمان أو إلى علي ليحنكوا أطفالهم، وإنما كان الواحد يحنك ابنه، والمرأة تحنك ابنها دون أن يحتاج إلى أن يذهب إلى أحد، فقد ذكر الشاطبي في الاعتصام ذلك، وأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما فعلوا ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أنه من خصائصه عليه الصلاة والسلام.

يقول أنس: إنه ذهب بأخ له إلى رسول الله ليحنكه، وهو أخوه من أمه زوجة أبي طلحة، فوجده في مربد، وهو حضيرة الغنم التي تكون فيها، فوجده يسم غنماً، قال: حسبته قال: في آذانها يعني: في آذان الغنم، وهذا يدل على أن الغنم توسم في آذانها؛ لأن شعرها يغطي الوسم لو كان في غير الأذن، فالوسم في الأذن يكون واضحاً وجلياً، ويكون بيناً.

وفي هذا دليل على أن الأذن ليست من الوجه؛ لأنه جاء النهي عن الوسم في الوجه، وعن الضرب في الوجه، وقد جاء في الحديث بالنسبة للإنسان أن الأذنين من الرأس أي: أنهما تمسحان ولا تغسلان، فحكمهما حكم الرأس لا الوجه، فالوجه يغسل والرأس يمسح والأذنان من الرأس تمسحان ولا تغسلان، فأضافهما إلى الرأس، لكن جاء في بعض الأحاديث إطلاق الأذن أو نسبتها إلى الوجه كما في الحديث الذي يقول: (سجد وجهي لله الذي خلقه، وشق سمعه وبصره).

والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه النهي عن الوسم في الوجه، وجاء عنه الوسم في الأذن؛ فدل ذلك على أنه سائغ سواء قيل إنه من الوجه فيكون مستثنى، أو أنه ليس من الوجه، وإنما هو من الرأس فيكون فعل النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً أن ذلك سائغ، وأنه ليس من قبيل ما نهى عنه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>