قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في كراهية الإضرار في الوصية.
حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله! أي الصدقة أفضل؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح حريص، تأمل البقاء وتخشى الفقر، ولا تُمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى:[باب ما جاء في كراهية الإضرار بالوصية] أي: أنه عندما يوصي لا يحصل منه إضرار بأحد، أو قصد لإلحاق الضرر بأحد، وإنما عليه أن يكون عادلاً في وصيته، كما عليه أن يكون عادلاً في جميع تصرفاته.
أورد رحمه الله حديث أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل: أي الصدقة أفضل؟ وهذا يدلنا على حرص أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام على معرفة الأعمال الفاضلة، وحرصهم على معرفة الأفضل، وهذا يدلنا على عنايتهم وحرصهم على معرفة ما هو خير وما هو أفضل من غيره ليأخذوا به وليعملوا به رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبره أن خير الصدقة أن يتصدق الإنسان وهو (صحيح) يعني: في حال صحته لا في حال مرضه، (حريص) في حال حرصه ورغبته، وكونه يأمل الغنى ويخشى الفقر، ويأمل في الحياة ويخشى الفقر؛ لأنه يطمع في الحياة ويرغب فيها، فهو يبقي على ما عنده، وخير الصدقة ما كان وهو في هذه الحال، يعني: كونه يتصدق في حال صحته، وفي حال رغبته في المال، وحرصه عليه؛ لأنه يأمل الحياة ويخشى الفقر، فإذا تصدق وهو في هذه الحال فهذا هو خير الصدقة.
قال:(ولا تمهل) يعني: لا تؤخر حتى إذا مرضت وكادت الروح أن تخرج عند ذلك تفكر في الإنفاق؛ ففي هذه الحال سهل عليه المال ورخص؛ لأنه سينتقل إلى الورثة، فهنا قد يلحق ضرراً بالورثة بأن يعطي عطيات أو يوصي بوصايا، لكن الوصايا كما هو معلوم لا تتجاوز الثلث، وإذا أوصى بشيء زائد عن الثلث فيحتاج الأمر إلى إقرار الورثة، لكن كونه يعطي في حال مرضه وتسمح نفسه وتجود في حال المرض؛ لأنه أيس من الحياة، وكاد أن يفارق الحياة، فقد يدفعه ذلك إلى كونه يضر بالورثة بأن ينفق المال ويتصدق به في حال مرضه بقصد الإضرار، وهذا هو وجه إيراد المصنف هذا الحديث تحت هذه الترجمة، وهي:[باب ما جاء في كراهية الإضرار بالوصية].
قال:(ولا تمهل) يعني: لا تؤخر عن حال صحتك وحال حرصك إلى أن يأتي المرض وتشرف على الموت، وترخص عندك الدنيا، ويرخص عندك المال؛ لأنك لم تعد تطمع في البقاء فيها، فعندها تقول: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان، يعني: يعطي ويتصدق، وسمحت نفسه بالمال، وفي هذه الحال يترتب على ذلك إضرار بالورثة؛ لأنه أنفق المال وحال بينهم وبينه، وهذا يدخل في تصرفات المريض، وتصرف المريض في حال المرض المخوف له أحكام التصرف فيه والإعطاء، وله أحكام تخصه، وحتى التطليق في حال المرض المخوف إن كان طلاقاً بائناً من أجل قصد الحرمان من الإرث قال بعض أهل العلم: إنها ترثه إن كان متهماً بحرمانها، أما إذا كان طلاقاً رجعياً فإن الرجعية زوجة، وتجري عليها أحكام الزوجات، ولا فرق بينها وبينهن ما دامت في العدة، ولكن كونه يطلق طلاقاً بائناً من أجل أن يحرمها، قال بعض أهل العلم: إنه إذا كان تطليقه إياها طلاقاً بائناً من أجل حرمانها من الإرث فإنه يعامل بنقيض قصده، وترث ولا تمنع من الميراث؛ لأن هذا التصرف تصرف في حال مرض الموت، فيعامل بنقيض قصده.