حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إياكم والظن! فأن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الظن، والظن: هو أن يظن الإنسان بأخيه سوءاً أو يتهمه بشيء ولم يكن متحققاً منه، فإن كونه ينقدح في ذهنه هذا الشيء ويصر عليه أو يتابعه في نفسه، فإن هذا لا شك مضرة كبيرة، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأنه أكذب الحديث، أي: حديث النفس؛ لأن الظن إنما يحصل في النفس، وما يجري في النفس هو أحاديث، لكن أسوأ ما يكون في حديث النفس هو ظن السوء، ولهذا جاء عن بكر بن عبد الله المزني كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب أنه قال: إياك من الكلام الذي إن أصبت فيه لم تؤجر وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء ظنك بأخيك.
لأنك إن أصبت فيه لا تحصل أجراً؛ لأنك ظننت به سوءاً، فإن كنت على صواب وكان ظنك مطابقاً لما فيه فلن تحصل أجراً، وإن كنت مخطئاً فأنت آثم، فالإثم محقق وحاصل، والفائدة غير متحققة.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:(إياكم والظن! فإن الظن أكذب الحديث) قوله: (إياكم) أي: أحذركم من الظن.
ثم قال:(ولا تحسسوا ولا تجسسوا) , قيل: التجسس والتحسس بمعنى واحد، وهذا مثل الكذب والمين والبهتان، فالكذب والبهتان والمين ألفاظ مترادفة مثل: قام ووقف وجلس وقعد، كل هذه من الألفاظ المترادفة التي يختلف اللفظ فيها ويتحد المعنى، ومنهم من قال: إن بينهما فرقاً، لكن لا أعرف فرقاً دقيقاً في ذلك، قال في عون المعبود في الفرق بينهما: قال المناوي: أي: لا تطلبوا الشيء بالحاسة، كاستراق السمع وإبصار الشيء خفية، (ولا تجسسوا) أي: لا تتعرفوا خبر الناس بلطف كما يفعل الجاسوس.
والنتيجة واحدة؛ لأن هذا بالحاسة وهذا أيضاً يكون بالحاسة.